تشغل العلاقة بين الإخوان والعسكر فى مصر أذهان العديد من المراقبين عقب ثورة 25 يناير2011 على ضوء السوابق التاريخية للعلاقة بين الطرفين التى عادة ما تبدأ بالتعاون وتنتهى بالصدام، واعتماداعلى هذا الإرث التاريخي من العلاقة بين الطرفين، تثار عدة تساؤلات منها: هل سيعيد التاريخ نفسه لمأساة عام 1954 وكما برز فى بيان للمجلس العسكرى على خلفية أزمة مساعى الاخوان والثقة من حكومة الجنزورى أم أن عقارب الساعة لا تعود للوراء؟ وتبدو اثارة أسئلة من هذا النوع منطقية نوعا ما حيث تتشابه مكونات المشهد السياسى المصرى بعد ثورتى يوليو 52 ويناير 2011 فى كثير من تفاصيلها وخاصة الاخوان والعسكر بعلاقات ملتبسة ومتأرجحة، وتنتهى بنقلات «درامية « من التعاون الى الصدام. فقد شهدت علاقة حكام مصر منذ ثورة 1952، «جميعهم من العسكر»، والجالس على مقعد المرشد العام «لجماعة الإخوان» فصولا من الصدام والتقارب، ومن الخصومة والود، والتنكيل والتحالف، إلا أن الغالب على هذه العلاقة الممتدة بين الطرفين، كان الصدام والخصومة والتنكيل، بحكم رغبة كل طرف منهما فى الهيمنة والسيطرة والانفراد بالسلطة، وبحكم استقرار «ثوابت سياسية» أرساها عبدالناصر فى التعامل مع الجماعة السياسية الأكثر تنظيما فى مصر، وبقيت راسخة فى أذهان القائمين على إدارة الأمور فى أجهزة الدولة المصرية وفى دوائر الجماعة على السواء، فالأجهزة الرسمية للدولة لا تقبل أن يزاحمها كيان أو جماعة مهما كانت شعبيتها أو قدرتها على التنظيم، كما لا تنسى دوائر الإخوان الضربات المتلاحقة التى تعرضت لها على يدى عبدالناصر خاصة فى 1954 و1965، ومن ثم ظل الصراع بين رأس الدولة ورأس الجماعة قائما منذ اندلاعه فى الخمسينيات من القرن الماضى وحتى الآن، الأمر الذى يجعل من أى تقارب بين الطرفين مشهدا استثنائيا فى فصول تستحق تسليط الأضواء عليها. وظلت علاقة الاخوان بانظمة الحكم المتتالية يغلب عليها الطابع الصراعى وتواترت الصدامات بين مرشد الاخوان مع حاكم مصر، وسجل التاريخ وقائع شهيرة للصدام، مثل الحرب العلنية بين الرئيس السادات ومرشد الجماعة عمر التلمسانى فى واقعة، وظلت علاقة الرئيس السابق حسنى مبارك متوترة وعدائية خلال عصور مرشدى الجماعة الخمسة الذين تعامل معهم مبارك «محمد حامد ابو النصر مصطفى مشهور مأمون الهضيبى مهدى عاكف محمد بديع». إلا أن الجماعة استطاعت دائما التعايش بأقل الخسائر مع كافة الأنظمة والعهود وحرصت دائما على شعرة معاوية ما اعتبره الكثيرون نوعا من النفعية السياسية. ثورة يناير تغيرت المعادلة السياسية بعد ثورة 25 يناير وصعد إلى الحكم المجلس العسكرى بتكليف من الرئيس السابق وتحررت جماعة الإخوان من القيود التى كبلتها طوال فترة حكم مبارك وأنشأت حزبًا سياسيًا حمل اسم «الحرية والعدالة». فى البداية آثر الإخوان الابتعاد عن المشهد الثورى فى الوقت الذى تلاحمت فيه المليونيات واحدة تلو الأخرى فى الميادين المصرية، للتنديد بممارسات للمجلس العسكرى واتهامه بوضع عراقيل أمام التحول الديمقراطى، تمامًا ثم ذهبت بعيدا إلى حد اطلاق بيان فى نهاية مايو الماضى حمل تخوينًا للقوى الثورية المشاركة فى إحدى المظاهرات ووصفتها ب»جمعة الوقيعة» فى إشارة إلى احتمال حدوت شرخ فى علاقة الشعب بقواته المسلحة. ورغم تواتر الحديث عن علاقة « الغرام» بين العسكر والاخوان، لكن لم يلتق الرأسان» طنطاوى وبديع» فى اجتماع مغلق بصفة رسمية، وظلت أواصر المحبة قائمة وتدعمت بتصريحات بديع الوردية من عينة «لو بيننا وبين العسكرى شعرة لأرخيناها». لكن تأزم العلاقة بين العسكر والاخوان الحادث الآن جاء تحت ستار حكومة الجنزورى التى تصر الجماعة على إقالتها فى حين يتمسك بها قادة الجيش، والمتوقع تصاعده بعد دفع الاخوان بالشاطر للرئاسة مما يطرح التساؤل مجددًا هل يلقى بديع مصير الهضيبى أم تُحل الأزمة وتصمد «شعرة بديع»؟ واجابت صحيفة وول ستريت الامريكية أجابت على هذا التساؤل قائلة: إن دفع جماعة الإخوان بخيرت الشاطر مرشحا للرئاسة، سيؤدى بالجماعة للاتجاه سريعا نحو الصدام مع المجلس العسكرى، مما يهدد عملية الانتقال الديمقراطى المتوترة. ويبدو أن قادة الإخوان يعترفون بأن تأييدهم للشاطر من شأنه أن يثير غضب الليبراليين والجيش من خلال سعى الجماعة للسيطرة على مزيد من السلطة السياسية بأشكالها تقريبا، حيث سيطرتهم على البرلمان والجمعية التأسيسية للدستور ثم السعى نحو الرئاسة. مؤامرة وترى عكس ذلك المتحدثة باسم «جبهة دستور لكل المصريين» الدكتورة كريمة الحفناوى التى تقول: إننا نشهد اليوم فصلا جديدا من فصول المؤامرة يجرى جهارا نهارا أمام أعيننا، بتواطؤ المجلس العسكرى مع التيارات الدينية وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، لتسليمها جميع السلطات فى البلاد، حيث تسيطر الجماعة على مجلسي الشعب والشورى وعلى الجمعية التأسيسية، وهى بسبيلها للهيمنة الكاملة على الحكومة القادمة فضلا عن السيطرة على النقابات المهنية وغيرها من مؤسسات الدولة. ثم كانت الخطوة الأخيرة بترشيح رجل الأعمال خيرت الشاطر رئيسا للجمهورية، واصفة ذلك أنه إعادة إنتاج للزواج غير الشرعى بين الثروة والسلطة بمباركة من الولاياتالمتحدة ، وهو ما يمثل انقلابا كاملا على الثورة وأهدافها وخيانة صريحة لحلم شعب مصر فى الحرية والتقدم. خيانة الثورة ويتفق معها المتحدث الرسمى للجمعية الوطنية للتغيير طه النقر حيث يستبعد الصدام بين العسكر والاخوان مؤكدا ان الاخوان هم الاحرص على عدم تكرار احداث الصدام مع الرئيس عبد الناصر، لكنهم كشفوا عن وجههم الحقيقى بعد قرار ترشيحهم لخيرت الشاطر. صفقة ويرى القيادى بحركة كفاية الدكتور يحيى القزاز إن ترشيح «جماعة الإخوان» المهندس خيرت الشاطر رئيسا للجمهورية صفقة بين الطرفين وما كانت الاخوان لترشح الشاطر الا بضوء اخضر من المجلس العسكرى، لان هذا طوق النجاة لجماعة الإخوان وللمجلس العسكرى، بعدما سار كل منهما فى طريق مسدود، وتدهورت شعبيتهما وفقدا مصداقيتهما، فكلاهما خان وغدر بالثورة، موضحا أن جماعة الإخوان والعسكرى افتعلا أزمات بينهما للخروج من النفق المظلم المسدود، بدأت بافتعال أزمة سحب الثقة من الحكومة مهددة فى حال عدم استجابة العسكرى بإقالة الحكومة فانها ستدفع بمرشح للرئاسة. الهدف الخفى قال الخبير الاستراتيجى والنائب بالبرلمان الدكتور وحيد عبد المجيد إن مرشح الاخوان المهندس خيرت الشاطر فرصته ضعيفة فى الفوز، ولكن هذه الخطوة جاءت من الإخوان خوفا من فوز المرشح المحتمل للرئاسة «عبد المنعم أبو الفتوح» بعد شعورهم باتجاه العديد من أعضاء الجماعة للتصويت له ضد رغبة شورى الجماعة، وأن ما بادرت به الجماعة من ترشيح للشاطر لا يهدف إلى «التكويش» على السلطة كما تتهمها القوى الليبرالية الأخرى، ولكنها أرادت مواجهة مشكلة «أبو الفتوح» الذى انفصل عنها بمشكلة أكبر بترشيح «الشاطر». ويرى مدير مركز الدراسات الاقتصادية الدكتور صلاح جودة أن خطوة الدفع بمرشح رئاسى من قبل أكبر تيار للإسلام السياسى فى مصر، تهدف إلى الضغط على المجلس العسكرى، لاقتناص «الجماعة» لمقعد رئاسة الحكومة، وبالتالى تأتى فى إطار «المناورة السياسية» للفوز برئاسة مجلس الوزراء