مداران يحيطان بالقضية السورية مؤخراً يتداخلان بصورة مركزية لا نسبية , فيما نُقدره كمحللين أنّه النفس الأخير للمؤامرة الدولية الحقيقية الشرسة والارهابية على الثورة السورية , وهو النفَسُ الأخير بحسب القراءة الواقعية من ميدان المعركة ومن رصيد الفعل السياسي للثورة وعبرها من خلال تقييم موقف هذه الأطراف الدولية واضطرابها رغم كل التخطيط الحاشد الذي اتخذتَه تل ابيب والتوافق الروسي الغربي دولياً واقليميا لإحباط هذه الثورة وان وجدت مساحة صراع لكنها لم تُغيّر الهدف المركزي لهذا التحالف التاريخي الذي صُب على الشعب السوري وثورته . في ذات السياق نفهم تصريحين متضاربين للأخضر الابراهيمي الذي اعتنت بدعمه موسكو بقوة واستثمرت الخطيئة العربية التاريخية بتثبيت تسميته موفداً للجامعة العربية , وإن كانت شراكة الجامعة في هذه المأساة أصلية من البدء لا فرعية , المهم أن الإبراهيمي المتطابق هواه فيما ظهر مع الموقف الروسي والإيراني , شنّ حملة على الثورة السورية بشقيها السياسي والعسكري كموقف تراجيدي عفوي في جزء منه كونه اخرج مضمونا نفسيا وسياسيا لدى الابراهيمي واستراتيجيا في بعده الآخر لأنّه أطلع الشعب السوري والعالم على المأسسة السياسية التي ينطلق منها الاخضر الابراهيمي في مهمته الغربية الروسية ,فهذا الغضب الذي أظهره الأخضر كان بِناءً على شعوره المتصاعد بأن ما يروّج له من رئاسة انتقالية للإرهابي الأسد وتُشكل تحت رئاسته حكومة تخلط بين معارضة ايران في هيئة التنسيق ونسبة تمثيل من المجلس او الائتلاف الوطني يرتضيها المعسكر الدولي , وهي ترويكا تتقارب جداً مع المشروع الايراني لكن الابراهيمي شعر باستحالة المضي في هذا المشروع خاصة بعد التوافق بين القيادات العسكرية والائتلاف الوطني السوري بقيادة الشيخ معاذ الخطيب ورفضهم الحاسم وخاصة الخطيب لكل ما يروّج له الإبراهيمي , فضلاً عن الرد المتصاعد في التفوق العسكري الكبير الذي يحرزه الثوار , ومع افتضاح موقف الإبراهيمي الذي لا طالما احتضن برنامجه الاسد اضطر الأوّل ان يُصحح ليبقي شيئا من المصداقية المزيفة يَعبر بها أجواء المنطقة مجدداً للترويج لترويكته لكن بصيغة مختلفة يضطر أن يعلن أن لا مجال للأسد في العملية السياسية وهو الامر المحسوم امره في القراءة الاستراتيجية لتقدم الثورة قبل أن ينطقها الابراهيمي رغم تآمر اقطاب المحور الدولي . ومن هنا نعود للتسمية الدقيقة لمفاصل الاحداث وهي معرفة تل أبيب وطهران وموسكو والغرب بزوال حكم نظام الاسد , انما المهمة كانت ولا تزال العمل قدر الاستطاعة على تعويق الثورة وإضعاف رصيدها لاستعادة بناء الكيان السوري المحرر من جديد في جمهورية دستورية حقيقية تنتمي لهوية الشعب وكفاحه , ولقد صُدم المعسكر الغربي من قدرة الائتلاف الوطني السوري في وقت قصير على التفاهم مع الداخل وتنسيقه بإعادة بناء القطاع العسكري في الجيش الحر والتحضير الكامل للمرحلة الانتقالية , رغم الأُفق الوطني المسئول والشراكة المجتمعية الموحدة في الائتلاف , وقطع كل التبريرات عن العلائق الوطنية بين أبناء الشعب السوري . هنا كان المسار الثاني المتوازي وهو مذابح ومحرقة براميل المتفجرات وتكرار المجازر رغم تقلص رقعة الجغرافيا التي يتحرك فيها النظام , وهذا التفويج الأخير من المذابح كان واضحا بصمة التأييد الدولي له و التغطية عليه بثوب روسي ايراني فاضح او هذر دبلوماسي ناعم , وهنا تعود المسئولية بقوة على الراعي العربي او الرافض العربي بحسب ما يُعلنه لبقاء النظام الاسدي ...أين مبادرتكم كرعاة للتوافق الوطني السوري والوحدة الثورية , والتي يقوم محورها العملي على امداد الثورة بالسلاح والدعم المادي للقيادة الموحدة وهيئتها المشكلة , والتي من الطبيعي يزداد حضورها بالدعم لتغطية حاجات الشعب الذبيح , وحين تُحرم الثورة من دعم أبرز واقدر قياداتها على توحيد الجهود وتنظيم معركة الحسم وإعداد الدولة الانتقالية فهو برنامج يستهدف هذه الثورة وهو غير مستغرب على المحور الدولي الذي استنتجنا هدفه قديما , لكن المسئولية على كل قادر في الوطن العربي أولا من حكومات الرعاية للتوافق الوطني في الخليج العربي وثانياً من ذوي المقدرة في تزويد التسليح والعنصر العسكري المرشد للثوار ويأتي هنا مصر وحكومة الرئيس مرسي في طليعتهم , ففي حين قدمت الثورة الليبية ما تستطيعه من جهد تمويلي للتسلح فقد قصرت دول اخرى بل اخطأت في حق ثورة سوريا كموقف الرئيس التونسي المرزوقي المضطرب . لقد كُشفت كل الأعذار وافتضح الموقف الغربي وخديعة التدخل العسكري وصولاً الى توافقه مع موسكو في السيناريو البديل لما بعد الأسد , وأضحى الحسم العسكري بيد الثوار وعلِمَ العالم يقيناً أنّ المعالجة الانسانية الكبرى هي تسريع حسم المعركة لإسقاط النظام وتدشين البديل الذي حُضّر له , لكن يُنهكه استمرار نزف الدماء , وعليه فإن التخاذل العربي لدول الرعاية أو غيرها هو شريك فاعل في مأساة سوريا , ولا يزال التكفير عن هذه الخطيئة قائما بتمويل معركة الحسم العسكري فوراً عبر القيادة الانتقالية الشرعية التي يتصدرها الشيخ معاذ الخطيب واندمجت معها مجالس الوحدة العسكرية الجديدة للجيش الحر . لقد راهن الغرب على تشرذم الوضع العسكري ووقوع تصادم بين الجيش الحر وجبهة النصرة التي سيُعالج وضعها بعد التحرير بوعي اسلامي ووطني , ففوجئ بأن الائتلاف وبقيادة التحالف الوطني الاسلامي ادار البرنامج المركزي وأعد الارضية السياسية الانتقالية وهيأ للحسم الكبير , وهو ما غيّر المعادلة لديهم واستأنفوا حصار الثورة , وبالتالي تغطية جرائم الحرب الجديدة ..وهذا هدفهم لكن ماذا عن الرعاة العرب ؟, فنقول وأمام كل الدلائل للصعود العسكري للثورة , ان سوريا ستتحرر ولكن نهر الشهداء المتدفق الذي كان بالإمكان إيقافه ويمكن الآن لو صدرت ارادة من دولة قادرة واحدة... ستشهد عليكم ارواحهم في اعراس النصر .