كان خالد بن مصعب العامري أكثر عزوفاً عن الحضور في بلاط سيف الدولة.. في حلب.. وكان محبوباً وذا نخوة ووفاء عرف عنه.. وولاء لسيف الدولة الحمداني. وعندما عاد المتنبي من مصر إلى الشام بعد خلافه الشهير مع كافور الإخشيدي.. لم يجد له شفيعاً ووسيطاً مقبولاً لدى الأمير الحمداني سيف الدولة سوى خالد العامري.. فلجأ إليه طالباً شفاعته فقال له خالد: أنت تعرف أنه ليس من مطلب أو حاجة لي لدى الأمير ولم أفعل ذلك من قبل.. وها أنت تطلب مني مالا أطيقه. قال له المتنبي: من أجل هذا – أنا – جئتك فإني أعرف أن شفاعتك ووساطتك لن ترد.. ولست أطلب أكثر من أن يسمح لي بالمثول أمام الأمير لا أكثر.. لأسمعه بيتين من الشعر... وما ان قرأ سيف الدولة رسالة خالد حتى تهلل وجهه مبتسماً وقال: لقد عرف المتنبي الطريق الذي يسلكه إلينا.. فو الله لا نردّ لأعفّ الناس خالد العامري طلباً – دعوه يدخل -. قال خالد: اكتبهما إذن وابعثهما إليه.. قال المتنبي: يا خالد أنت تعرف خصومي.. في البلاط.. وحسادي كثر.. وأخاف ألا تصل رقعتي إليه.. ولو كتبت أنت له تستأذن لي لأذن لي.. فقال خالد: أما هذه فنعم.. وكتب تلك الرسالة الموجزة والتي تدل على عفة خالد ونبله.. واعتزازه بنفسه.. تقول الرسالة: هذا أحمد المتنبي قد وقف ببابي ليلبسني حلة شرف ليست لي ويطلب شفاعتي لتصفح عنه وتقبل مثوله بين يديكم.. أعزكم الله.. ومثلك ليس يجهل حق مثلي.. ومثلي لا يضيعه الكرام.. وما ان قرأ سيف الدولة رسالة خالد حتى تهلل وجهه مبتسماً وقال: لقد عرف المتنبي الطريق الذي يسلكه إلينا.. فو الله لا نردّ لأعفّ الناس خالد العامري طلباً – دعوه يدخل -. فدخل المتنبي وهو يرتدي حلة فاخرة كان قد أهداها إليه سيف الدولة.. قبل هجرته إلى مصر.. ووقف مزهواً ومخاطباً الأمير.. في قصيدة طويلة يقول فيها: وإنك لمن يفضح الجود جوده وإني لمن يفضح الحمد حمده ولا مجد في الدنيا لمن قلّ «ماله» ولا مال في الدنيا لمن قلّ مجدهُ وامتعض أبوفراس وقال لابن عمه سيف الدولة: لا زال هذا العاقّ يفخر بنفسه.. قال سيف الدولة ضاحكاً: ولو لم يفعل ذلك ما كان أشعر العرب.. لقد صفحنا عنه...