لرائحة طين الفخار بين أيادي براعم الوطن عبق كامتداد التاريخ ، وماء زمزم كان حاضراً يرتشفه الزور ليعيشوا لحظات السيدة هاجر ووليدها النبي الذي أقام ووالده أبو الأنبياء قواعد البيت العتيق ليكون قبلة المسلمين وواجهة المشهد الروحاني لبلاد تعددت وجهات حضورها في عالم لا يستحضر سوى الأقوياء بمقدراتهم وثرواتهم ، كانت أمهات النفط من هياكل الديناصورات القديمة حاضرة أيضاً لتشهد هي الأخرى وفق احتماليات الجيولوجيا بعمق تاريخ المكان وأهلية ساكنيه للثروة ، تلك حكاية ترويها ارامكو السعودية في مهرجانها الثقافي في الاحساء ليستزيد أطفالنا معرفة تهديها لهم أكبر شركة للنفط في العالم وهي جزء من تاريخهم الحديث وكفاح أجدادهم ومستقبلهم أيضاً ، هكذا ارامكو تفتح النوافذ نحو المستقبل منذ أن غنم الآباء ب « نمرة » العمل في حقول آبارها أو حتى معاملهما ، هجر الآباء هنا إبلهم ونخيلهم ليتقاطروا نحو مستقبل أكثر إشراقاً في جبل الظهران فتبدلت نمطية معاشنا جميعاً مع تلك الجموع الوافدة إلى الجبل وكل مواقع ارامكو وظلت الشركة كما يحلو للبعض تسميتها ب «الأم الحنون» تمارس حنوها الفعلي حتى لدائرة أوسع من نطاق أعمالها وخدمة موظفيها بل وتستقطب المزيد من راغبي العمل وتشجعهم للحاق بركبها متجولة بين الأسواق والقرى بحثاً عن الرجال وطاقتهم التي لم تخذلها يوماً « وهل قدر الأم إلا أن تكون حانية دائماً ، ولكن هي المحسوبية وليس سواها من قتل هذا الطموح , فخرج الطفل رغم كل مشاهداته يردد مفردة لا يعرف لها معنى سوى أنها أجهضت يوماً حلم والده , فماذا ستنقل إلينا ارامكو في خيم مهرجانها.. ؟! وهل ارامكو الأمس غير اليوم « أم أن العلاقة بين ارامكو والمكان تبدلت وغدا الحضور في مخيلة جيل اليوم لا يستلزم القيام بالمسئولية كما ينبغي ويترك الأمر فقط لصناع « الميديا « ليمارسوا الإبهار للمتلقي بينما تفتقد تلك العلاقة زخمها التاريخي المعتاد الذي فتح بيوتاً هنا وعلّم عقولاً واستثمر طويلاً في الإنسان بحياد ودون ميول أو محسوبية ، لا أكتب كلماتي هذه نسجاً من خيال سوى أن متانة علاقة الناس بالشركة غدت تقاس بالمحسوبية وحسابات القريب والبعيد ، نعم فالمحسوبية تلازم ارامكو و تفرغ قيم العمل فيها من مضمونها مما يصنع تناقضاً مضراً بمسير الشركة ومستقبلها المتعلق به مستقبل الوطن وأجياله , فجميل أن تقيم الشركة المهرجانات الكبرى لتنقل إلى أجيالنا الفكر والمعرفة حتى إن أحد الأطفال سأل والده وهو يعيش الانبهار من مشاهداته في المعرض: « لماذا لم تتوظف في ارامكو؟ « فبماذا سيجيب الأب وهو من حاول ثم حاول من أجل ذلك؟ ولكن هي المحسوبية وليس سواها من قتل هذا الطموح , فخرج الطفل رغم كل مشاهداته يردد مفردة لا يعرف لها معنى سوى أنها أجهضت يوماً حلم والده , فماذا ستنقل إلينا ارامكو في خيم مهرجانها.. ؟! دورها الثقافي الذي انحسر أم ثقافة المحسوبية التي تنامت وظلت تلازم جملة مزاياها حتى ترسخ عند العموم أن المحسوبية تتصدر مجالات التوظيف وفرص العمل؟, فرغم تأطير هذا الجانب بمسوغات وأنظمة إلا أن القفز عليه يبدو مستمراً من بعض المتنفذين في قطاعات الشركة وهو ما رسم هالة شاحبة وصورة ذهنية قاتمة لا تبددها جملة مظاهر التواصل الاجتماعي مع المحيط المحلي فغدا لثقافة المحسوبية في ارامكو حضور يكسر الأنفس عند من لا حول لهم ولا قوة من الموظفين وعموم الناس , ناهيك عن غياب الشفافية وأساليب المعالجة الموضوعية في بعض المواقف كحالات الرشا في العقود المبرمة مع شركة تايكو الأمريكية وهو ما يتنافى مع قيم ارامكو وصورتها الذهنية عند العموم هنا , ورغم كتيبة الإعلام والعلاقات العامة وميزانية المساهمات الضخمة التي تخصصها الشركة سنوياً إلا أن تغيير انطباع الناس يحتاج إلى معالجات أكثر وذلك بالعودة إلى الحيادية والشفافية لا أن يترك الأمر سواء في التوظيف أو الترقيات لتقديرات شخصية فيُبعد المؤهلون ويؤتى بذوي القربى والمصلحة فقط دون سواهم في كسر لمبدأ تكافؤ الفرص , فالشواهد في هذا الجانب كثيرة وواسع الحديث عنها وربما صادف غالبيتنا مواقف مشابهة دون أن يلمس من الشركة ما يعالج الوضع أو يخفف منه , فهل تبدد مهرجانات ارامكو ما علق في الأذهان أم ترسخ ثقافة المحسوبية؟! . Twitter @nahraf904