الفساد منظومة، أصبح الشغل الشاغل للعامة والخاصة، والحديث عن مسبباته ونتائجه متداول في وسائل الإعلام، تقليديا كان أم جديدا وحتى المستقبلي منه إن كان! الجميل أن الحوارات حول هذا الموضوع بالذات أصبحت مثارا للتندر والكفشات، مما يعني أن قضية الفساد، مثلها مثل غيرها من المواضيع «البائتة» كالتعليم والصحة والإسكان، لم تعد مثيرة للاشمئزاز ولا غريبة على منطق المواطن الذي لم يعد يفكر فيها بنشاز. لا شك أن دولا عدة، البعيد منها والقريب، سبقتنا بعقود من الزمان في منظومة الفساد. ولو كان لنا أن نعتبر، لقارنا الحال بيننا وبين هؤلاء الرواد، لعلنا نعي أننا وبالفعل خضنا غمار هذا المجال دون وجل أو خوف من عقاب! لأن التاريخ لا يكذب، ومظاهره العامة تتكرر كل أوان، وهو يقول لنا ويصرخ: الفساد منظومة، لها هيكل وأيادٍ وأنياب. يدعم هذه المنظومة كبار وصغار كل حسب مجاله وقدرته في عقلنة الأسباب. أن الفساد إن انتشر في بلاد العباد عاث فيها وأصبح منها ملازما فهو وهي صنوان!. الفساد منظومة، لها هيكل وأيادٍ وأنياب. يدعم هذه المنظومة كبار وصغار كل حسب مجاله وقدرته في عقلنة الأسباب. ولهذه المنظومة عضوية ترحب بكل فرد جديد في فريق عملها الكبير، لتنهش في جسد منظومات الأعمال، عامة وخاصة، وتدخل لها من كل باب. ولكن كيف لنا أن نعرف متى استحكمت هذه المنظومة؟ عندما تجد الصغار يجاهرون وإلى فوق رؤوسهم بالبنان يشيرون. ومتى ما رأيت أو شممت الرائحة التي تزكم الأنوف من شركات القطاع الخاص تفوح، فاعلم أن المنظومة استفحلت، وجذورها في البلاد قد ترسخت. فقواعد الأعمال والتجارة تنهار لتحل محلها قواعد اللعبة، أما الفهلوة فتكون هي ديدن الأحبة في منظومة الشطار. لماذا إذا نصرخ ونحارب الفساد؟ ألسنا نعترف بوجوده في كل ركن وجدار؟ أليس معروفا، وفي كل الدنيا، أن هامشا من الأعمال لا بد له أن تهضمه منظومة الفساد؟ فلم هذا العويل والصياح وإنفاق الأموال في محاربة المحال؟ أوليس أجدى أن نقر بالحال ونسلم بآلية الفساد، ونحسب لها حسابا عند صنع القرار؟. فلنتعايش مع الفساد! وليكن واقعا لمنظومات الأعمال في كل البلاد. عند حساب كل ميزانية فلنضع بندا فيها لحسبة الشطار. وعند انعقاد مجالس الإدارات، لنكن متعاونين مع ممثلي منظومة الفساد في هياكل الشركات المساهمة والخاصة والعامة، لعل شرهم يتوقف عند مطامعهم فلا ينخرون كيانات الأعمال ويتركونها حتى لا تنهار! [email protected]