علي بن المقرب العيوني المتوفى عام 630ه/ 1232م هو شاعر الأحساء الكبير، الذي حكمت أسرته الأحساء ردحاً من الزمن، وضاهى بشعره فحول الشعراء العرب القدامى في عصر كسدت فيه بضاعة الشعر، فأعاد له ابن المقرب ألقه وشموخه، ولولا شعر ابن المقرب لطوى النسيان تاريخ الدولة العيونية، التي عاش في كنفها مظلوماً، لم تشفع له مكانته وسطوع نجمه وذيوع صيته، ليأخد مكانته الطبيعية في الحكم بين أسرته، وقد عانى من ظلم ذوي القربى كثيراً. وقُدمت دراسات كثيرة عن شعره، كان آخرها -على ما أظن- كتاب د. محمد بن عبداللطيف الملحم في مجلدات ثلاثة ضخمة، تحت عنوان «ابن المقرب: سقوط دولة وصعود شاعر» وهو إضافة جادة عن الشاعر ابن المقرب والدولة العيونية، وظروف نشأنها وملابسات نهايتها. ولأن ابن المقرب ظل يعيش في قلوب أبناء الأحساء من محبي وعشاق شعره، فقد انطلق منذ عشر سنوات «ملتقى ابن المقرب الأدبي» على أكتاف نخبة من شعراء الأحساء وأدبائها، ولأن أسرة هذا الملتقى من العاملين في الدمام، فقد اتخذ هذه المدينة مقراً له، ليقدم في رحابها فعالياته التي تميزت بالتنوع والعمق، وحسن اختيار الأنشطة والمشاركين فيها، من شعراء وأدباء المملكة والخليج، ولم تقتصر أنشطته على الفعاليات المنبرية، بل تعدتها إلى الإصدارات الشعرية الجميلة، لشعراء تميزهم جودة الشعر وأصالته، وتنوعت هذه الإصدارات لتشمل ألوناً أدبية أخرى، هي من صميم اهتمامات أعضائه، الذين تمسكوا بالكيف قبل الكم، فأحسنوا الاختيار. وخلال سنواته العشر حافظ الملتقى على مستواه من العطاء المتميز، الذي لم يكن لينجح في الوصول إلى المتلقي لو لم تكن وراءه هذه الجهود المشكورة التي يبذلها أعضاؤه، في عملهم الدؤوب وبروح الفريق الواحد، ليقدموا من الإبداع أجمله، ومن النشاط أوفره، ومن الحرص أكثره التزاما بالجودة والتنوع، احتراما لوعي المتلقي وذائقته الأدبية، والمشاركة في المناسبات الأدبية الوطنية والعالمية، ليتحقق للملتقى هذا النجاح الذي تدعمه جهود بارزة، تنتظمها روح الفريق الواحد، وبدعم ذاتي، لتقديم جهد جماعي يفوق ما تقدمه بعض المؤسسات الثقافية الرسمية في المنطقة. عشر سنوات سمان من عمر هذا الملتقى المديد بإذن الله، كانت -ولا تزال- مكتنزة بالنشاط، ومفعمة بالفعاليات الأدبية، مما يثري حراكنا الثقافي، ويسهم في دعمه، ليتقدم بخطوات واثقة إلى الأمام، ويؤصل قيماً أدبية ذات مسؤولية وطنية وإنسانية وثقافية متميزة، وكل أعضاء الملتقى يملكون القدرة على تقديم هذا المستوى من العطاء الفريد، فمعظمهم من شعرائنا الذين قدموا دواوين شعر أنيقة، وقصائد جميلة، لاقت عناية كبيرة من متذوقي الشعر ونقاده. كانت أمسية «ملتقى ابن المقرب الأدبي» في نهاية الأسبوع الماضي احتفالاً بيوم الشعر العالمي.. خير دليل على نجاح هذا الملتقى في استقطاب نخبة من رموزنا الشعرية التي صفق لها الحضور طويلاً، بعد محاضرة قيمة عن «الأبعاد الحضارية في منجزنا الشعري السعودي» قدمها على مسرح جمعية الثقافة والفنون أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام، رئيس نادي الرياض الأدبي، د. صالح المحمود، ليبدأ بعده تألق الشعر الجميل، الذي ترنم به الشعراء: محمد الماجد، وأحمد اللويم، وأحمد جاسم الصحيح، في أمسية جميلة، توجت بحضور جماهيري لافت، وإن كنا نشيد بجهود «ملتقى ابن المقرب الأدبي»، فإننا نشيد أيضا بجهود جمعية الثقافة والفنون بالدمام التي امتدت إلى مختلف ألوان الفنون والآداب، رغم ضآلة الدعم وشح الموارد.