منذ زمن كاف أدرك الكثير أن معتقداتنا في الآخرين وفيما يحيط بِنَا هي نبوءات ذاتية تتحقق بالفعل، فالإنسان الذي يعتقد بأن العالم مكان خطير يمتلئ بالتهديدات سيواجه مواقف مخيفة فعلا، ومن يُؤْمِن بأن العالم مليء بالفرص والمغامرات الممتعة سيجد نفسه يعيش اندهاشا مستمرا ويستمتع دوما بأحداث ذات تنوع وثراء لا حدود له، والأهم هي تلك المعتقدات التي تدور حول ذاتك، لأن ذلك المفهوم يصاحبك أينما ذهبت، ويؤثر فيما تخوضه من تجارب، فإذا كنت تعتقد بأن الأكثرية هم أشخاص أشرار وخبثاء، فستعتزل الاختلاط بهم لترحل بعيدا عن العمران، وإذا كنت تؤمن بأصالة جوهرك وقوة عزيمتك فإن معتقداتك الذاتية ستعينك على المثابرة وتشد من أزرك في مواجهة أي أحداث بالغة الصعوبة. إن محتوى مفهوم الذات يأتي نتيجة لانتقاء عينة صغيرة من الأحداث من بين ثروة من خبراتك، والتآلف معها واعتمادها بعبارة «هذا أنا»، فمفهومك عن ذاتك هو تعميم قوي بالغ الاتساع لماهية ذاتك وذو استمرارية تتجاوز الزمان والمكان، لتؤثر في كل ما تصنعه تقريبا، ومنظومة تقييم مسبق موجهة لمنحى مستقبلك، وكما هو الحال في جميع أشكال القوة، فقوة مفهوم الذات قد تكون فعالة أو مدمرة، تبعا لطريقة توجيهها، فلكل منا مفهومه عن ذاته بشكل واع أو غير مدرك، ومن الواضح أن المفهوم الذي يكونه البعض عن ذواتهم يضعهم داخل حدود ضئيلة من الانتفاع بقدراتهم، في حين أنه يشكل أساسا متينا لحياة ناجحة ومرضية لدى آخرين. إن مفهومك عن ذاتك نوع من الخرائط التي تبين من أنت، ومثل أي خارطة فهي دوما ما تكون نسخة شديدة التبسيط من الإقليم الذي تصفه، فقطعة الورق الصغيرة التي لا تحمل سوى بضعة خطوط هي بالغة النفع في مساعدتك على التجول في الإقليم الذي لا تعرفه، ومفهومك عن ذاتك أو «الخارطة» التي رسمتها لنفسك لها نفس الغرض الذي من أجله ترسم خرائط المدن، في تعريفك بموقعك من العالم ومساعدتك على إيجاد طريقك لا سيما حين تواجهك أحداث أو تحديات، وهو يتشكل من مجموعة عمليات تصنع معا خريطة توضيحية تشبه وظيفة الدليل السياحي، الذي يساعدك للذهاب إلى حيث تريد، واختيار نوع التجارب التي تود خوضها، ولما كان بمقدورك انتقاء وتجميع تجاربك بأساليب شتى، فإن أمامك مطلق الحرية لتحويل مفهومك عن ذاتك لمفهوم أكثر فعالية، وأن يكون متسقاً مع قناعاتك، لتمتلك خريطة ثرية المعالم، حتى يمكنك حينها أن تسعد بما يطلق عليه «مفهوم الذات الإيجابي».