تُراجع إدارة حكومية فتجد الموظف منهمكاً في جواله وبالكاد يرفع رأسه، وإذا رفع رأسه أجاب بأجوبة مقتضبة بالكاد تعطيك الإفادة عما تبحث عنه، وإن تماديت بإشغاله عن جواله قد يحدث لك ما لا تُحمد عقباه! بل إنك تجد من المعلمين من يدخل بجواله قاعة الدراسة، فينشغل عن تعليم طلابه بجواله، وقد يحوّلهم إلى وضع الصامت لينال الوقت اللازم الذي يعينه على ملاحقة المقاطع والتغريدات في أسرع وقت ممكن! وتجد أيضاً - مع شديد الأسف - المريض الذي ينتظر الساعة أو أكثر ليحظى بمرور الممرض المشغول بجواله عن مرضاه، وقد كان الواجب ألا ينشغل عنهم بأي شيء، ليس واجباً وظيفياً فقط، بل وظيفة وإنسانية وديناً! وقد ترى من يقطع الإشارة المرورية من أمام نافذة سيارة المرور الواقفة عند الإشارة، والسبب أن من وراء النافذة كان مشغولاً بجواله عما حوله، وبالتالي لم يلحظ ما يحدث خارج نوافذ سيارته من طوام! الوضع عامة - كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً - وفي الإدارات الحكومية خاصة، يحتاج إلى إعادة النظر في استخدام الجوال، وكنت قد اقترحت في مقال سابق منع الهواتف الذكية من دخول الإدارات الحكومية، بناءً على مبررات عديدة تثبت أن ضررها أكبر من نفعها - إن كان لها نفع - ليس على المراجع فقط، بل على المراجع والموظف نفسه والإدارة التي تخسر سمعتها بسبب انشغال موظفيها عن مراجعيها بجوالاتهم، ولا أبالغ إن قلت على الوطن بأكمله! ومع صعوبة تطبيق هذا المقترح، إلا أنني ما زلت بالقرب منه، فالوضع خطير ويتزايد خطره! يحدثني أحد الأصدقاء بأنه زار مؤسسة تتمتع بمدير جيد ليستفيد من خبرته، أخذه المدير في جولة على أقسام الإدارة، وأثناء مروره بالموظفين لفت انتباهه وجود شاشات أعلى رؤوسهم، عندما سأل عنها قال له المدير: هذه شاشات تنقل ما في أجهزة الموظفين للمراجعين، وبالتالي لا يُضيع الموظف الوقت فيما يُشين ولا ينفع، ولا يُمكن أن يقول: "السستم عطلان"! ليتنا نرى مثل هذه الفكرة للجوالات في الإدارات الحكومية.