لا تمر لحظة واحدة ربما دون أن نسمع من يحدثنا عن الإستراتيجية، حتى «الكورة» دخلتها الإستراتيجيات ولله الحمد من الباب الواسع، والكل بالتأكيد يعرف ما هو معنى الإستراتيجية؟ على اعتبار أنها علم التخطيط أو القيادة بعيدا عن أي فلسفة زائدة، أو محاولة جر التسمية إلى متاهات ما أنزل الله بها من سلطان فقط لمجرد فرد عضلات الفهم. لكن المشكلة ليستْ هنا، وإنما هي في ما بدا واضحا من أن البعض بات يستخدم هذا المصطلح في عمله لإخفاء تقصيره، أو لدفع الآخرين لتقبل تأخره، أو عدم اتضاح مسار مهمته ليدّعي أنه يسير على إستراتيجية طويلة الأمد فقط كذريعة، وبالتالي على الجميع أن ينتظر، وينتظر ريثما تؤتي إستراتيجيته المزعومة أكلها، وتستوي على سوقها، بمعنى أنها أصبحتْ بالنسبة للبعض مجرد جلباب للفلفة الأخطاء، والقصور، وتبرير التأخير، وتحاشي النقد، ومد فترة الانتظار إلى ما شاء الله، وإذا تجرّأ أحدهم وسأل عن سبب تأخر أو عدم اتضاح معالم هذا المشروع أو ذاك، جاءه الرد الجاهز والمعلب بورق السلوفان «الإستراتيجي» الفاخر: بأن لدينا إستراتيجية نسير عليها، ونحتاج إلى المزيد من الوقت لتتضح نتائجها، أي أن الإستراتيجية أصبحتْ أداة تعمية وتمويه، وليستْ أداة إنجاز، تستخدم فقط لمنع النقاش حول التفاصيل، لأن أي حديث مثل هذا سرعان ما تتم إحالته إلى إستراتيجية طويلة عريضة، أشبه ما تكون في غالب الأحيان بالطريق الدائري الذي لا أحد يعرف كيف يُميّز نقطة البداية فيه من نقطة النهاية؟، لاحظوا أنني أتحدث عن البعض وخاصة ممن لا تحتاج أعمالهم ومهماتهم إلى إستراتيجيات بقدر حاجتها إلى شيء من الشفافية في الخطة وفي الأهداف وآليات التنفيذ، يعني مثلا عندما يخرج رئيس بلدية ويتحدث عن إستراتيجية في حين أن مهمته لا تحتاج لما هو أكثر من خطة عمل بسيطة، فهذا يعني حتما أنه يريد أن يدخلنا في دوامة انتظار عوضا عن أن يجعلنا قادرين على متابعة عمله. لهذا فإنني أتمنى، وغيري، أن ننام ونصحو وقد اختفتْ من قاموسنا اليومي مفردة «إستراتيجية»، وشقيقتها «لوجستية» بعدما أصبحتْ مثل هذه المصطلحات لدى البعض صيغة من صيغ إخفاء برامج العمل، والإيهام بأن ما يفعلونه يظل فوق قدرة عامة الناس على الفهم، وذلك لتفادي سهام النقد، خاصة في مسائل الخدمات والتي لا تحتاج إلى مثل هذه الإستراتيجيات الذرائعية.