الكتاب: معجم المصطلحات الأدبية الكاتب: ابراهيم فتحي الناشر: دار شرقيات - القاهرة 2000 ربما كانت المكتبة العربية في أشد الحاجة إلى القواميس والمعاجم المختلفة، خصوصاً ما يتعلق منها بالمصطلحات الأدبية، لأنه من المنطقي أن تسود الفوضى في غياب مرجعية اصطلاحية واحدة. فكثيراً ما يتوقف التواصل نتيجة لغياب مصطلح، أو لنحت مصطلح جديد بشكل شخصي، حيث لا تتوافر له صفة الذيوع والانتشار. من هنا، فإن المحاولات القليلة التي تمت في هذا الصدد، كان لها مردود طيب في الساحة الأدبية، وإن لم تفِ بالغرض كاملاً. ويأتي "معجم المصطلحات الأدبية" كتتويج لعطاء طويل لإبراهيم فتحي. وتأتي أهمية المعجم عبر لغته الشارحة، التي تميزت بالبساطة، والعمق معاًَ. وأفاد إبراهيم فتحي من المحاولات السابقة على معجمه، والتي شكلت خلفية معرفية له، حيث لم تبتدئ محاولته - كما اعتدنا - من الصفر. وقد تمثلت تلك الخلفية في: "معجم مصطلحات الأدب" لمجدي وهبة، و"المعجم الأدبي" لجبور عبدالنور، و"موسوعة المصطلح النقدي" ترجمة عبدالواحد لؤلؤة، و"معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة" لسعيد علوش، و"معجم مصطلحات النقد الحديث" لحمادي محمود، و"دليل الناقد الأدبي" لميجان الرويلي وسعد البازعي. ويشير ابراهيم فتحي إلى نقطة مهمة هي أن المعجم لم يقدم الأصول اللغوية للمصطلحات، إلا إذا كان ذلك ضرورياً لفهمها، حيث إن المصطلح يتجاوز دلالته اللغوية المباشرة في أكثر الأحيان، حيث يصبح معناه - حينئذ - كامناً في طريقة استعماله. فالمصطلح كائن حي يستمد الكثير من سياقه الثقافي، كما أنه يؤثر في هذا السياق، حيث لم يعد لفظاً مكتفياً بذاته. وقد استطاع إبراهيم فتحي بالفعل أن يتجاوز جمود المصطلح، وأن يتتبع التغيرات المفهومية التي طرأت عليه عبر الزمن، وصولاً إلى المفاهيم السائدة في اللحظة الراهنة، ما يعني انقطاع المصطلح - أو انحرافه - بدرجة أو بأخرى عن دلالته اللغوية، أو مردوده المعجمي الذي يتميز بالثبات النسبي. وعلى رغم المجهود المحمود الذي بذل في إعداد هذا المعجم، فهناك ملاحظات نأمل مراعاتها في الطبعات المقبلة، حتى تكتمل الفائدة. اتسم المعجم بالشمولية، حيث تناول الكثير من المصطلحات التي ارتبطت بالعلوم الإنسانية، وكذا ببعض الفنون الأخرى، شريطة أن يكون لتلك المصطلحات مردود أدبي. وقد نتج من ذلك أن اصبحت المصطلحات - في حالتنا هذه - ذات جنسية مزدوجة إذا جاز التعبير. فهي تنتمي إلى الأدب بالقدر الذي تنتمي فيه الى الحقل المعرفي الذي انتجها. ويمكن أن نعرض لجوانب تناول الحقول المعرفية التي اشتمل عليها المعجم على النحو التالي: - علم اللغة: حيث ترددت بعض المصطلحات، مثل تاريخية اللغة، وعلاقة اللغة بالتفكير. - اللسانيات: ترددت مصطلحات لسانية عدة، كالأداء والبنيوية، والدلالة، والسيميوطيقا. - علم النفس: كانت مصطلحات علم النفس وافرة من حيث الكم، مثل الأنا، الباعث / الدافع، التوتر، الذاتية، الطاقة الحيوية الليبيرو. - الفلسفة: الى جانب علم النفس، جاءت المصطلحات الفلسفية وافرة من حيث الكم، مثل: الوجود، الوجودية، التجريد، الحتمية الآلية، الرواقية، العدمية، الظاهرات. - المسرح: غلبت المصطلحات المسرحية على المصطلحات ذات الطابع الأدبي، مثل: تأزم، تراجيديا، حبكة، تغريب، جوقة، تطهير. - الأساطير: ترددت بعض المصطلحات، خصوصاً ما يرتبط منها بالثقافة الإغريقية، مثل الحصان المجنح بيجاسوس وبعض الآلهة الإغريقية والاساطير المرتبطة بهما، خصوصاً ديونيسيوس وأبوللو. - فنون تشكيلية: ترددت بعض المصطلحات المشتركة بين الفنون التشكيلية والأدب، مثل: الباروك، التعبيرية، السيريالية. - علوم أخرى: من علم الحياة كان هناك مصطلح الانتماء، ومن الانثروبولوجيا بعض المصطلحات مثل البدائية، كما أشار الى اسماء بعض العلوم باعتبار أن تلك الاسماء ذات دلالة اصطلاحية، مثل: علم التأويل الهرومنيوطيقا، علم أصل الكلمات، علم الدلالة العام، علم العروض، علم العلامات، علم الكتابات القديمة. لكي نوضح العلاقة بين المصطلح والمفهوم، فإننا - ببساطة - يمكن أن نتصور أن المصطلح شاهد ينوب بحضوره عن غائب، فهي أشبه بالعلاقة بين الدال والمدلول، التي يشبهها سوسير - مجازاً - بوجهي العملة. فالكلمة الاصطلاحية - أو التعبير الاصطلاحي - عندما يتم النطق بها، قدر ممكن من الكلمات، وأكبر قدر ممكن من الوضوح. وهو - شأن المصطلح - يجب أن يخضع لشرطين أساسيين: التواطؤ والتواتر، أي الاتفاق والشيوع. والمشكلة الأساسية التي امتدت عبر "معجم المصطلحات الأدبية" أنه لم يعتدّ كثيراً بالمفهوم، بينما كان يعنى بشرح المصطلح وتوضيحه، من خلال تغطية جوانبه المعرفية المختلفة. ونحن وإن كنا نرى أن هذا الشرح هو بمثابة الضرورة اللازمة، فإننا نعتبره في مرحلة تالية لعرض المفهوم. ولقد اتبع المعجم هذا النهج أحياناً، لكنه - في معظم الأحيان - تجاهل تقديم المفاهيم. على سبيل المثال، فإنه في الوقت الذي قام بتعريف مصطلح "قصيدة"، باعتبارها إنشاءً لغوياً شعرياً، يتميز بشكل فني عالي التطور، ويستخدم الإيقاع كما يستخدم لغة رفيعة حساسة للتعبير عن تفسير متخيل للأوضاع والمعاني، فإن المعجم - في المقابل - لم يتبع تلك الطريقة مع المادة التالية مباشرة، مادة "قصيدة حماسية"، حيث يقول عنها: "في اليونان القديمة كانت أغنية جماعية تنشدها الجوقة في أعياد ديونيسيوس وقرابينه. ويستخدم المصطلح الآن عنواناً على أن تعبيراً شعرياً أو نثرياً أو أدبياً يستخدم لغة ممتلئة بالانفعالات لا تعرف ضابطاً، مطلقة السراح في اندفاع هادر لا يعرف الترويض، وقد تعني الإسراف في المديح. وهكذا، تتضح لنا ثنائية التعامل مع المصطلح، إما بالتعريف أحياناً أو بالشرح - وحده - معظم الأحيان. وقد يشير البعض إلى أن تقديم تعريفات للمصطلحات هو بمثابة لعبة غير مأمونة العواقب، باعتبار أنه ليس هناك تعريف جامع مانع لأية ظاهرة أدبية. فمصطلح شعر مثلاً، لا يمكن أن نضبطه مفهومياً، في حين يمكننا شرح المقصود من الاصطلاح. وهذا صحيح، لكن هناك أيضاً بعض المواد الخاضعة للتعريف بالفعل، وحتى إن تعددت التعاريف، فيمكن سردها، ثم الانحياز إلى التعريف الأقرب للحظة الراهنة. يقول ابراهيم فتحي في المقدمة إن المعجم قد ابتعد عما لا يسهم في الخصوصية الأدبية للمصطلح، فلم يقف عند المدارس اللسانية أو المصطلحات الألسنية، إلا فيما له علاقة حقيقة بالأدب، وكذلك الحال مع المصطلحات البلاغية والعروضية، ومصطلحات خشبة المسرح والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع. ونحن سنتناول تلك العبارة بالتحليل التطبيقي، فلنا بعض الملاحظات على ما تناوله المعجم، وما لم يتناوله من مواد. بدايةً، نلحظ بعض النقص الذي يحتاج إلى استدراكه مستقبلاً، حيث أن بعض المصطلحات الأساسية والتي يحتاجها دارسو الأدب لم يتم ذكرها، تحت ضغط الجهد الهائل في إعداد المعجم. وهذا النقص قد شمل جوانب كثيرة من الدراسات الأدبية، مثل: مصطلحات البلاغة التقليدية التي لا غنى عنها، وبعض المصطلحات اللسانية المرتبطة بالأدب بشكل وثيق، إضافة إلى بعض المصطلحات الأخرى الخاصة بالفلسفة وعلم اجتماع الأدب وعلم النفس الأدبي. كما أن هناك نقصاً شديداً في مصطلحات الأدب الشعبي، والأدب المقارن. فيما يتعلق بالبلاغة التقليدية، نجد أن المعجم لا يشير سوى إلى نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجاني، وبعض المصطلحات الأخرى مثل: البلاغة والمعاظلة والتشبيه والاستعارة والتورية، في حين لم تذكر مصطلحات أخرى مهمة مثل: الصورة البلاغية والمطابقة والتقسيم والمقابلة والتخييل. كذلك لم يتم ذكر بعض المصطلحات الشعرية الكلاسيكية، مثل: معلقة، نظم، بيت شعري، قافية، كناية، كما أن الأغراض الشعرية لم يتم ذكرها على الإطلاق: رثاء، غزل، حماسة، فخر. أما اللسانيات فهناك بعض المصطلحات التي تحتاج إلى إضافتها الى المعجم، مثل: اسلوبية، نسق، تعاقبي ديكاروني، سكوني سانكروني، انزياح، فجوة، إقحام، بنية، دلالية، نظرية الاستخدام، وظائف اللغة، مفهومي الوضع والاكتشاف عند تشومسكي، المتن الحكائي، أفق الانتظار. كما أن الحاجة كانت تتطلب بعض المصطلحات الفلسفية ومصطلحات علم اجتماع الأدب، والتي أصبحت جزءاً عضوياً من الذاكرة الأدبية، فهناك مصطلحات فلسفية مثل: اغتراب، حيث اصبح يلعب دوراً أساسياً في النقد الأدبي الحديث، ويمكن أن نعده مصطلحاً أدبياً أكثر منه فلسفياً. وفي علم اجتماع الأدب، هناك مصطلحات تحتاج إلى الإضافة، مثل بعض مصطلحات البنيوية التكوينية الأساسية، ومن أمثلتها: الوعي، والوعي القائم، والوعي الممكن. وفي ما يتعلق بالأدب الشعبي، كان النقص أكثر وضوحاً، حيث لم يذكر المعجم سوى مصطلحين فقط ينتميان إلى علم الفلكلور، وهما: فلكلور وخرافة، بينما معظم المصطلحات الخاصة بهذا الجنس الأدبي لم يتعرض لها المعجم. إلى جانب الحاجة إلى إضافة بعض المصطلحات التي تزخر بها الذاكرة النقدية الحديثة، مثل: مفهوم الخيال، والحلم، والواقع، والمكان، والزمان، والمبنى. وفي الوقت الذي يعاني فيه المعجم نقصاً في بعض الجوانب التي ترتبط بالدراسات الأدبية بدرجات متفاوتة، كان هناك بعض التزيّد في مصطلحات أخرى ترتبط بالدراما الكلاسيكية، وأصبحت غير ذات قيمة، إضافة إلى أنها تعبيرات أكثر منها مصطلحات. ومن أمثلة تلك التعبيرات: جندي متفاخر، وحذلقة، وخلاف، وتعبير دعه يعمل، ورفيق ملازم، وسجل اليوميات، وصادر من سلطة. إن هذه التعبيرات أشبه ببعض النباتات الطفيلية التي امتصت قدراً من مجهود الإعداد، مما أدى إلى إحلالها بديلاً من بعض المصطلحات الأكثر أهمية، والتي ذكرنا بعضها من قبل. تبقى ملاحظة أخيرة على معجم المصطلحات الأدبية، وهي طغيان الحس الفلسفي والنفسي على المصطلحات الواردة به. وهذه الملاحظة ترتبط بشكل أساسي بشخصية إبراهيم فتحي الذي أعد المعجم. وربما يعود هذا الطغيان إلى الميل الشخصي لديه لدراسة وترجمة الاتجاهات الفلسفية. على أن الملاحظة الأكثر أهمية هي أن قراءتنا لهذا المعجم، قد تمت من خلال منظور "العين العاشقة"، التي تطمح إلى أن يقترب إبراهيم فتحي درجة من كمال الإعداد، وأن يصل المعجم الى درجة قصوى من الاكتمال، خصوصاً أن هذا المعجم هو إضافة طيبة الى المكتبة العربية.