المخلصون المبدعون المتواضعون لا يموتون أبدا في نفوسنا وإن رحلوا عن دنيانا. وهذه هي حال الشاعر الروائي الوزير السفير والإصلاحي غازي القصيبي، يرحمه الله، الذي يحتفظ له كل خليجي، وكل سعودي وبحريني بالذات، بذكريات عطرة لا تنقطع وامتنان لا ينضب. قليلون من إذا رحلوا بقي ذكرهم في الآفاق وترددت أسماؤهم مع كل نسمة هواء تمر على المكان الذي ولدوا أو نشأوا فيه، أو أعطوا سنوات عمرهم لمجده وتقدمه. القصيبي كان نادرا لأنه كان إنسانا من قبل المجد الذي اختُص به ومن بعد هذا المجد. كان نبعه الإنساني والوطني تلقائيا لا يتصنعه ولا يبحث عن مغانم من ورائه كما يفعل من لا يملكون ربع موهبة واحدة من مواهبه. كنت باعتباري صحفيا ممن غطى نشاطاته في وزارة الصناعة والكهرباء. وأذكر أنني في كل مرة، أحضر فيها واحدا من نشاطاته، أنظر إلى هذه القامة الفارعة التي تتحدث ببساطة وتوجه بحزم وتدلي بتصريحات ذكية طالما كانت عناوين مثيرة على صدر صفحات الصحف ونشرات الأخبار. أوتي هذا الرجل الكبير الكثير. وقد سخر كل ما أوتي ليفيد الناس في علمهم وفكرهم وثقافتهم وتنميتهم. لم يبخل بمواهبه وقدراته كما لم يتردد في قراراته حين يكون مقتنعا بأن ما يفعله لصالح الناس وإن لم يقبلوه أو يفهموه في البداية على وجهه الصحيح. الآن غازي القصيبي يتجدد في النفوس والأماكن، وكل الأماكن مشتاقة له بما فيها البحرين التي حولت بيت عائلته في حي الفاضل بالمنامة إلى متحف سمته (منامة القصيبي) يسجل مراحل حياته ويحتفي بها، وليت الرياض تفعل ذلك.