يتفق الكثيرون على أن التعليم هو محور أي تنمية، وهو عمودها الفقري، وضابط إيقاعها؛ لأن مخرجاته هي ما يحدد مستقبل البلد، ومرتبته بين الأمم، فإن كانت مخرجاته جيدة فستكون مؤشرات الأداء التنموي جيدة، وإن كانت سيئة فسينعكس سوؤها على سوق العمل، هذه قاعدة لا خلاف حولها. وتجارب الدول من فنلندا إلى اليابان إلى سنغافورا وكثير من الدول الغربية كلها ترتّب مكتسباتها على تطوّر نظامها التعليمي. عندنا.. تعاقب على وزارة التعليم منذ إنشائها عام 1373 أكثر من عشرة وزراء، وعشرات المسؤولين، كلهم اجتهدوا في أن يقدموا نظاما تعليميا متماسكا وقويا، يستطيع أن يكون هو ساعد البلد الأشد في التنمية، أخطأوا وأصابوا، نجحوا وتعثروا، لكن المشكلة الأكبر أننا لم نصل بعد إلى مشروع سياسة تعليمية واضحة، بمحاور دقيقة، وبرامج عمل قوية قابلة للتنفيذ، حتى بدا الأمر كما لو أن كل مسؤول دخل بتجربته الخاصة، بصرف النظر عن عمل كل من سبقه، في ظل غياب إستراتيجية تعليمية وطنية كبرى، حتى مع الوزير الأكثر تخصصا أعني د. محمد الأحمد الرشيد، الذي نعرف كيف انشغل عن مشروعه بإقناع الأصوات التي كانت تحتج على خطواته. اليوم مع معالي الوزير حمد آل الشيخ، نحن أمام حديث عن مراجعة الوعاء الزمني للأعوام الدراسية، وأن هنالك أربع سنوات من بين (12) سنة دراسية يقضيها الطالب على مقاعد التعليم العام في مراحله الثلاث، هي في نظر الوزارة «في الوقت الراهن» سنوات مهدرة، ويمتد الحديث باتجاه اختصار الوعاء الزمني للدراسة بحيث يكون 4 سنوات للمرحلة الابتدائية، وسنتان للمرحلة المتوسطة، ومثلها للثانوية، مع اختصار الأسبوع الدراسي إلى 4 أيام فقط بإلغاء دوام يوم الخميس.. وهنا نلاحظ أننا عدنا إلى مناقشة المربع الأول، في حين كان كل ما يثار فيما مضى يتصل بالمناهج أو تأهيل المعلمين أو البيئة المدرسية، وهذا يعني أننا فعلا نفتقد وجود مشروع إستراتيجية وطنية للتعليم بملامح واضحة، بحيث يكون دور كل مسؤول هو الإضافة إليها أو تهذيبها، وليس العودة كل مرة إلى نقطة الصفر. أنا فعلا لست ضد هذه الرؤية - إن صحّتْ - لأن العبرة في التعليم أبدا لم تكن بالمدد، ولا بحجم المناهج، وإنما بجودة المحتوى وآليات التنفيذ، فهل نفعلها ونؤسس لإستراتيجية تعليمية وطنية كبرى، حتى نضمن أن نجني عملا تراكميا يفضي بنا للوصول إلى نظام تعليمي يأخذ بيد بلادنا إلى ما نتطلع إليه؟