ليستْ هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن هذا الموضوع، ولا أتصوّر أنها ستكون الأخيرة، نتيجة تفشي المواعظ والوصفات الطبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتداولها بين شرائح كبيرة من الناس دون التثبت من دقة وصحة محتواها. ويتصدر الواتساب فيما أظن الميديا الجديدة في الترويج لما يمكن أن نسميه عيادات الواتس، والتي تزجي النصائح الطبية بلا حساب، بحكم كونه أي (الواتس) يتعامل مع كافة شرائح المجتمع بما في ذلك تلك الشريحة الأقل حظا من الوعي والتعليم والثقافة، والذين قد يصدقون كل ما يسمعون أو يشاهدون على هذه الميديا، وهو أمرٌ بالغ الخطورة، لأن فاتورة المعلومات الطبية الخاطئة غالبًا ما تكون باهظة التكاليف، ولها تبعات جدا مؤذية، وتستدعي فعلا التحرك العملي لإيجاد صيغة تحد من هذا الانفلات، والاستسهال في ترويج المعلومات الطبية من غير المختصين والأطباء. هنالك للأسف من يستهويه تقمص دور الطبيب، لذلك هو لا يتوانى عن تمرير أي معلومة أو وصفة طبية تصل إلى جواله إلى كل من يعرفهم، ومن يحتفظ بأرقامهم، دون أن يعرف مصدر هذه المعلومة أو الوصفة، ومدى صحتها، وكأن كل ما يصله من معارفه لا بد أن يكون موضع ثقة، وهناك من لا يتردد في نقل تجربته أو تجربة أحد أقاربه ليقدمها للناس على أنها حقيقة طبية قاطعة، وبالتأكيد سيجد من يصدقها ويقتنع بها، وهناك أيضا من يقدّم تركيبات دوائية وخلطات بمزاعم مناسبتها للمرض الفلاني، ولمن يشكو من كذا، أو يتألم من كذا؟ والحبل على الجرار، وهناك أيضا من ليس لديه أي مشكله في أن يصور نفسه في فيديو يصف فيه علاجا أو يقدم نصائح طبية بالغة الدقة دون حتى أن يعرّف بنفسه وصفته، وما إذا كان طبيبا أو هو من عامة الناس، وفي المقابل وعلى الدوام هنالك دائما من هو جاهز للتصديق، وتطبيق تلك النصائح عمليا مع كل ما فيها من المخاطر. ورغم تفاقم هذه القضية وانتشارها عبر السناب والواتس وغيرهما إلا أنني لم أشاهد خطوة جادة من الجهات المسؤولة للتصدي لهذه المشكلة والتعامل معها بما تستحقه من الخطورة، لأن وزارة الصحة، والغذاء والدواء تعتقدان أنهما قامتا بدورهما كما ينبغي بمجرد تأمين خدمة الإجابة عن الاستفسارات عبر مواقعهما المعروفة، وهذا غير فعال إذ يلزم التوصّل إلى آليات فاعلة عبر الميديا ذاتها للتنبيه على خطورة تناقل المعلومات الطبية التي لا أحد يعرف مصدرها حماية للصحة العامة، ولقطع الطريق على عيادات الواتس.