بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية وخروجها مكسورة منهارة محطمة، وفرض الكثير من القيود عليها التي كبلتها، ومنها عدم التصنيع العسكري الذي برعت فيه وما صاحبه من مشاكل عديدة تأتي متوافقة مع مثل هذه الحالات التي لا يمكن أن تتجاوزها الدول بسهولة، ولكن في اليابان الوضع مختلف حيث قامت هذه الدولة بعمل تحديث سريع لكافة مقدرات البلد، يتوافق مع الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت، ومن ثم الانطلاق رويدا رويدا وبخطى مدروسة لتصبح اليابان خلال فترة لا تتجاوز الثلاثين عاما من أهم القوى الصناعية في العالم وخلال خمسين عاما سيطرت الصناعات اليابانية على كافة أرجاء المعمورة بدون استثناء، والجميل في هذه السيطرة أنها مصحوبة بالجودة ولم تفقد ثقة المستهلك في أي مكان في العالم، فعندما تعلم أن هذا الجهاز ياباني تشتريه بدون تردد، فاليابان استطاعت أن تتغلب على أحزانها ومشاكلها بعد أن اتجهت للتصنيع الذي يعتبر من أهم الخطط التي تراهن عليها الدول لتحقيق مركز مهم عالميا. وأيضا كوريا التي خرجت من الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي لا تملك أي مقدرات، ولكن بعد دراسة متأنية للوضع ورسم للخطط والأهداف تحولت هذه الدولة إلى قوة صناعية يحسب لها ألف حساب، وأصبحت صناعاتها مطلوبة في كل مكان. وكذلك الصين التي احتلت ثاني اقتصاد على مستوى العالم بعد أن غزت صناعاتها كل منزل في الكرة الأرضية وأصبحت - بلا منازع - رقما صناعيا صعبا لا يمكن مجاراته بسهولة. ما يجمع الدول السابقة هو توجهها للتصنيع الذي يعتبر المصدر الأول لتحقيق التقدم والرفاه والمكانة الدولية والإنجازات العلمية والتعليمية، فالدول السابقة يحظى أفرادها بمستوى معيشي متقدم ورفاه يحسدون عليه ومكانة عالمية مهمة وابتكاراتهم العلمية تصل إلى كل موقع في أرجاء المعمورة، وهذا لم يتحقق إلا بمستوى تعليمي مميز، فالتقدم الصناعي تأتي معه جميع المزايا. السعودية أدركت هذا الأمر جيدا، وعملت على تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي، وأطلقت مشروع تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يمثل أحد أبرز برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، ويتضمن أكثر من 300 مبادرة، ويعمل على تطوير 11 صناعة، منها: صناعة السيارات، والصناعات العسكرية والطبية، والاستزراع المائي والسمكي، وجميعها تستهدف رفع صادرات المملكة لتصبح 50 في المائة منها صادرات غير نفطية، في وقت تهدف إستراتيجية البرنامج إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية، وذلك عبر التركيز على أربعة قطاعات حيوية تشمل: الصناعة، التعدين، الطاقة، والخدمات اللوجستية. البرنامج يركز أيضا على تنمية الصناعة والمحتوى المحلي، مثل: الطاقة المتجددة، الصناعات العسكرية، الصادرات، التعدين والطاقة، ميزان المدفوعات، التقنية والقوى العاملة الروبوتية. وسوف يساهم في تحسين البنية التحتية ودعم الصادرات وتطوير الخدمات اللوجستية اللازمة؛ لتصبح المملكة منصة صناعية ولوجستية مميزة بين القارات الثلاث وخلق فرص عمل واعدة للشباب. السعودية الجديدة طموح وإنجاز يسابق الزمن، يقوده الأمير الشاب سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لتصبح المملكة قوة صناعية يحسب لها ألف حساب.