هناك مواقف تسودها زوبعة من الأصوات المرتفعة والأحداث المتشابكة، فيثير أبطالها بلبلة هوجاء دون نتيجة تذكر أو هدف لهم يتحقق. بل يكون جل تركيزهم على تشتيت المستهدف بالخصومة عن الهدف الرئيس وشغله بالتفاهات والتفاصيل الفارغة والإرعاد عليه لإخافته وإرعابه بتكبير حجم الخطأ - ربما غير المقصود في كثير من الأحيان - فتسمع الحوار يتعالى ولا ترى نتيجة بعدها. وفي مواقف أخرى، تجد من يستخدم هذا النمط من الحيل النفسية في إشعار من أمامه وإسماع من حوله بعظمة ما يفعل وهول ما يقدم مما يعطيه شعورا بالانتفاش يتضاءل أمامه من يستمع إليه، فيعتقد بأنه حتما سيرى نتاجا ضخما بعد هذه الحوارات الساخنة، ولم يكن يعدو كونه فقاعة وانفقأت. ومن المؤسف حقا، أن يستخدم بعض المستفيدين هذا النوع من الحيل كأسلحة هجومية ضد المربين.. بل وينظر بعضهم إلى مربي ولده بعين السخط، فلا يرضى عن إنجازاته مع طلابه أبدا متمثلا قول القائل: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا إن اتباع أسلوب التحدي والمراغمة وتعويد الأبناء عليها وتربيتهم على الاستعلاء على المؤسسات والمحاضن التربوية ومقاومة سلطتها وتهديدها بالشكوى الوالدية لدى الجهات الأعلى منها، لن يفلح في إنتاج جيل راق يقدر العلم وأهله ويحترم السلطات ويوقر المسؤولين ويعي واجبه ويشعر بالمسؤولية تجاه وطنه.. إننا هنا ننادي لوضع الضوابط وسن القوانين لتأطير عملية رفع الشكاوى ضد منسوبي التعليم.. فالمعلم والمربي ليس بالمواطن الاعتيادي مثله مثل سائر موظفي الدولة.. بل إن له من الحق والفضل في تخريج سائر موظفي الدولة في كافة القطاعات والميادين العاملة في خدمة الوطن، ما ينبغي أن يكفل له مكانته ويحفظ منزلته. وليت ولي أمر الطالب يفقه ويعي أن هذه الجعجعة التي يصنعها إنما تنعكس سلبا على القيم التي سينشأ عليها ابنه، وأنها تضر أكثر مما تنفع، فضلا عما يترتب عليها من إضاعة للأوقات، وتعطيل للأعمال، وتبديد للجهود وهدر للطاقات، ونسف لقيم الإجلال والإكبار لمحاضن التعليم في نفس ابنه، حيث سيتعلم من هذه التصرفات التي يراها من والديه ويحثانه عليها - بشكل مباشر أو غير مباشر - أن الصوت الذي يعلو هو صوت الجعجعة فحسب، بصرف النظر عن المستهدف بهذا الصوت والهدف منه.. ويكفيه أن يتخذه نهجا في حياته ليحقق كل مآربه ويحصل كل طموحاته.. فليت شعري بعد هذا من المستفيد من كل هذا؟! سؤال أطمح لأن أجد له إجابة.. ودمتم بخير.