في الأسبوع الماضي - وكما في كل عام - تم الاحتفاء باللغة العربية، في يومها العالمي الذي يصادف الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، وفي الدمام كان احتفاء «ملتقى ابن المقرب الأدبي» باللغة العربية، ضمن اهتماماته الأدبية المتنوعة، في أمسية جميلة احتضنتها جمعية الثقافة والفنون بالدمام، التي تفوقت على نفسها بكثافة وجودة أنشطتها الثقافية والفنية، رغم شح مواردها المالية، لكن تصميم المسئولين فيها أثمر هذا الجهد الذي يذكر ويشكر، لتقوم بذلك بدورها وبدور النادي الأدبي الذي تراجعت أنشطته بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وكان فارس هذه الأمسية أ. د. علوي الهاشمي الشاعر والناقد الأكاديمي المعروف، الذي تحدث عن اللغة العربية بأسلوب المدرك لأهميتها، والعارف بأسرارها، والمتمكن من الحديث عنها بعمق وشمولية. ولغتنا الجميلة تستحق هذا التذكير بأهميتها وسبل إنقاذها من قبضة الأساليب المعجمية؛ من أجل التعامل معها كلغة حية تفوقت على كل اللغات في اشتقاقاتها وقياساتها ومحسناتها البلاغية، وقابليتها لاستيعاب كل جديد في الحياة، وقدرتها على التطور، ولم لا؟ أليست هي لغة القرآن الذي حفظها من الضياع، أليست لغة أهل الجنة كما ورد في الأثر؟ أليست هي لغة المسلمين عربا كانوا أو غير ذلك، إذ لا يصح إسلام المسلم إلا بقراءة القرآن في صلواته.. القرآن كما أنزل دون ترجمة لأي لغة أخرى؟ أليست هي اللغة استوعبت ألفاظا أعجمية - ورد بعضها في القرآن - لتثبت قدرتها على التفاعل مع ما حولها دون حساسية أو تخاذل، وظلت على شموخها منذ ما قبل الإسلام؟ ألم تظهر حديثا بعض الدراسات العلمية التي تثبت أن العربية هي أم اللغات؟. ومع ذلك كله ما زالت لغتنا تشكو من التغريب، في كلامنا الذي يستهوينا أثناء الحديث حشوه بكلمات إنجليزية عديدة، وفي حرصنا على تعليم أطفالنا لغة أجنبية قبل إتقانهم لغتهم الأم، وفي شركاتنا الكبرى التي لا تزال معاملاتها ومراسلاتها وأنظمتها تكتب بالإنجليزية، وفي جامعاتنا التي تصر على التعليم باللغة الإنجليزية في غير كلياتها وأقسامها المتخصصة في اللغة العربية، وفي لوحات واجهات المحلات التجارية المنتشرة هنا وهناك، والتي تقذي العيون بكلماتها الأجنبية، وبخطوطها الأعجمية وكأنها غير موجودة في بلاد عربية تعتز بلغتها الأم وتعمل على حمايتها من التشوية، وفي المكاتب التجارية التي لا يجد فيها العربي موظفا عربيا يجيد التخاطب معه كما هو الحال، في وكالات خطوط الطيران الأجنبية وما شابهها من مكاتب السفر والسياحة والشحن. في هذه الحالة من التغريب التي تعيشها اللغة العربية بين أبنائها لا بد من مبادرات رسمية تعالج هذه الإشكالية، وتضع حدا لهذا الهدر لكرامة اللغة والإساءة إليها، وهذه حالة لا تقتصر على بلد عربي دون سواه، بل هي حالة تتكرر في جميع البلدان العربية، وهي في دول الخليج العربية أكثر من سواها؛ بسبب كثرة العمالة الوافدة فيها. إن الانتصار للغة العربية هو انتصار للأمة، لتحافظ على قوتها ومنعتها من خلال لغتها، وفي سبيل ذلك لا بد أن تهيأ للأمة كل أسباب هذه القوة والمنعة، لتأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع، وتبني نهضتها بسواعد أبنائها، فإذا كانت اللغة تحمي وتحيي الهوية للأمة، فإنها في الوقت نفسه تكتسب قوتها وانتشارها من قوة أمتها، واللغات الأقوى في العالم هي اللغات التي تنتمي لأمم قوية، وفي التاريخ نرى الأمة المنتصرة هي الأمة التي تفرض لغتها بقدر انتصارها على غيرها، ولغة قوية تعني أمة قوية، ولا حل سوى إنقاذ اللغة من التغريب والتشويه والتهميش، فلغتنا هي هويتنا، ولا مفر من المحافظة على الهوية.