كنت من أوائل الذين طالبوا بضرورة الاهتمام السعودي بالبحر الأحمر، ليس من الناحية الاقتصادية فحسب، بل كذلك من الناحية الإستراتيجية والسياسية التي يرتبط بها الأمن الوطني للمملكة ارتباطاً وثيقاً. كانت واحدة من اللحظات المهمة في تاريخ المنطقة حين تم الإعلان عن تأسيس كيان البحر الأحمر، وهو تكتل سياسي يجمع الدول المطلة على البحر الأحمر، باستثناء إسرائيل وإريتريا، في مجلس تنسيق سياسي لضمان مصالح كافة الدول المشاطئة لهذا الساحل الأكبر بين القارتين. ولذلك كنت مهتماً بالدعوة إلى تأسيس مراكز دراسات تختص بالبحر الأحمر، والدول المشاطئة له، خصوصا في القارة الأفريقية المنسية، وذلك لأن هذا النوع من المراكز شديد الندرة، ولم يكن له أهمية حتى وقت قريب. كانت ملاحظتي الأساسية هي أنه، وفي الوقت الذي كنا نهتم فيه بدراسة أحوال القارتين في أوروبا وأمريكا، فإننا تجاهلنا دراسة هذه القارة السمراء، وفهم طريقة حكمها، وثقافتها، رغم أنها تقع في أهم الدوائر المهمة للأمن الوطني السعودي. أهمية البحر الأحمر نابعة من كونه مفتاحاً حيوياً بين ثلاث قارات، وممراً تجارياً تمر خلاله أكثر من 15 بالمائة من التجارة العالمية، أي ما يتجاوز 2 تريليون دولار على أقل تقدير، ناهيك عن الثروات النفطية القابعة فيه، ومساحة سواحله الممتدة، وعدد الجزر الموجودة فيه. وتأتي الدعوة السعودية لتأسيس هذا الكيان في إطار رغبة المملكة في دعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وحماية ممرات التجارة العالمية من القرصنة، وزيادة الناتج القومي للدول المطلة على البحر الأحمر، بضمان استغلال كافة الموارد، وتطوير فائدته التجارية لهذا البلدان. يعتبر الاهتمام بالبحر الأحمر أمرا حيويا بالنسبة للأمن الوطني السعودي، ذلك أنه وعلى مدار تاريخ المملكة، وتأسيسها منذ أكثر من قرنين، كان للبحر الأحمر دور في التهديد المباشر للمملكة، حيث منه جاءت الجيوش الغازية التي تسببت في سقوط الدولتين الأولى والثانية. وتأمين البحر الأحمر يعني إزالة واحد من مسببات الأخطار التي قد تواجه المملكة، ذلك أن عدم استقرار الدول المجاورة، والتي لا يفصل بينها وبين المملكة سوى هذا البحر، كفيل بالتأثير على حركة التجارة، وحجم استفادة المملكة من ساحلها، وهو الأكبر على البحر الأحمر مما سواه. أمام السعودية إستراتيجية أمن وطني جديدة في ظل التحديات المتغيرة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، والأساس في هذه الإستراتيجية هو التوجه إلى الكيانات الإقليمية الكبيرة، التي تتواءم مع حجم المملكة ودورها في العالم. إننا في عصر الكيانات السياسية الكبيرة، ولا بد من التوسع في إنشاء مثل هذه الكيانات التي تضمن شراكة مصالح سياسية واقتصادية بين المملكة وحلفائها. سبق وأن طالبت في ورقة بحثية بإنشاء أربع منظومات سياسية تحت قيادة المملكة العربية السعودية لتكون مظلة تضمن من خلالها المملكة أمنها الوطني، ومصالح حلفائها. إنني أرى أهمية لتأسيس كيانات على غرار كيان البحر الأحمر. كيانات تجمع دول الجزيرة العربية، والدول المطلة على الخليج العربي، وتعزز التواجد السعودي في آسيا، وهي قارة المستقبل.