كيف تطفو بعد الغرق في الألم وأنت حي؟.. ليس كلامًا إنشائيًا، ولا فلسفة نظرية أن نقول إن الإبداع في كثير من حالاته يولد من رحم المعاناة، بل إن المواهب الكامنة تبزغ بفرادة وتميّز عندما تخرج من رحم الوجع.. وهناك قصص عالمية لمشاهير من العلماء والمبدعين أظهرت هذا، حيث انطلق تميّزهم على خلفية وجع قاس لأحداث مريرة حدثت في حياتهم.. وحدهم الشجعان الذين واجهوا قسوة الألم بصدر مفتوح حتى آخر طعنة، هم الذين هزموه.. وغنائم النصر في هذه المعركة ستجعلك ممتنًا للقدر الذي منحك فرصة خوضها.. بعد أن يغادرك الوجع في نهاية قصته معك، سيبدأ فصل حياتك الأكثر دهشة، ستحبك الحياة، أنت الذي امتلأت حكمة، وبلغت نضجًا فكريًا وروحيًا لا علاقة له بالعمر، باختصار ستتذوق الحياة بكل تفاصيلها بشعور مختلف من الرضا والامتنان.. ستكون أكثر شجاعة على المغامرة بقليل من التهور والمجازفة، ستصبح ساخرًا من تحرشات الألم أو الضعف أو مفاجآت المآسي ومكائد الأعداء. العالقون في الوجع، هم الأشخاص الذين تخطّوا آلامهم (ماديًا كمكان وزمان) لكنهم لم يتجاوزوها كحالة شعورية.. أما المنهزمون معه، فهم القابعون فيه ماديًا واعتباريًا بكل استسلام.. تأكد أن محاولتك التأقلم مع وضع غير جيد في حياتك، سواء كان صراعًا مع أفكار أو قرارات غير محسومة أو معاناة أخرى، من ظلم، وجع، قهر، يحرمك فرصة النجاة منه.. لا تخدر وجعك، لا تهرب منه بإلهاء ذاتك.. تعمّق فيه وعش كامل أزمته وأفهم رسالته جيدًا ثم تخلّص منه.. إن استمرارك في التكيّف مع وضع غير مريح في حياتك يعني أنك تنتهك حقك بنفسك، البعض يفعل ذلك ضعفًا وقلة حيلة، والأسوأ من هذا أنه يضلل ذاته بمبررات وهمية، نهاية مطافها لا رضا ولا سخط، لا تقدّم ولا تقهقر، لكن المحصّلة وقوفه في منطقة وسط لا تليق بكيانه وإنسانيته وحقه في العيش بدرجة معتبرة من الرضا عن ذاته وحياته.. أما التعساء بحق؛ فهم القابعون في آلامهم تملؤهم الشكوك وقلة الثقة بالحياة والناس والقدر. أخيرًا؛ الحياة تقدّم نفسها للإنسان بالعقيدة الروحية والفكرية التي يؤمن بها، ومعظم معاناة الناس أو سعادتهم منبعها هذه العقيدة. الأوفر حظًا والأوفر تعاسة على مسافة واحدة من وفرة الله في أرضه، والفارق بينهم أن أحدًا منهم يُصرّ على تعقيد حياته وتسييرها تحت شعور المظلومية وسوء الحظ. taaroofaah@