بعض السلوكيات والتصرفات الفردية والمجتمعية السلبية تنعكس على قيم اقتصادية تؤدي إلى أضرار وخسائر قد لا يشعر بها الفرد أو المجتمع، ولكنها ترتد لاحقا في صورة خسائر تتطلب معالجة لا بد أن يشارك فيها من تسببوا فيها، وليس الدولة وأجهزتها فقط، ومن ذلك الهدر الغذائي الذي لا يزال يتسبب في كثير من الخسائر الاقتصادية الضخمة، إذ يوضح تقرير صادر عن وزارة البيئة والمياه والزراعة أن المملكة تحتل المرتبة الأولى عالميا في هدر الغذاء، وأن حوالي 30% من الأغذية المنتجة يتم إهدارها، بينما تصل قيمة الطعام المهدر إلى حوالي 49 مليار ريال سنويا. ولنا أن نتصور ضخامة المبلغ الذي يذهب مع الريح دون جدوى وفي الإمكان جعله قيمة مضافة لاقتصادنا الوطني لو ارتفع السلوك الاقتصادي في الصرف والإنفاق فيما يتعلق بالغذاء، وعليه فالوضع الطبيعي أن ارتداد السلوك السلبي يصبح مثل الدائرة المغلقة إن لم يتم تحسين ذلك السلوك، فالفرد، على سبيل المثال، ينفق أكثر من حاجته في غذائه ويهدر ميزانيته وإدخاره بما يفوق حاجته الفعلية، ذلك يضعف قدرته الشرائية في غير الغذاء، الخسارة التي يتسبب فيها الإسراف تعني استيرادا أو إنتاجا أكثر تتبعه رسوم وضرائب تنعكس على الفرد إضافة إلى أي خدمات ترتبط بالهدر، ويجعل أجهزة الدولة تعمل تحت ضغط النتائج السلبية لذلك الهدر، وهكذا تنشأ دائرة تصرف عما هو أهم للمواطن والوطن. في ذلك التقرير يذكر أن نصيب الفرد من الطعام المهدر في السعودية يبلغ حوالي 250 كيلوجراما سنويا، أكثر من ضعف المعدل العالمي الذي يبلغ 115 كيلوجراما للفرد، والمحصلة الإجمالية أن البلاد تهدر حوالي 8.3 مليون طن من الغذاء سنويا، أو المليارات التي ذكرتها في مستهل المقال، فهل نعي حجم الخسائر التي نتسبب فيها لأن نتصرف بطريقة خاطئة؟ وتلك المليارات تشمل خسائر الدولة والفرد الذي يحتاج فقط لأن يعيد النظر في حجم استهلاكه وتقديره بصورة صحيحة ومناسبة، فيكسب وتكسب معه الدولة التي تحتاج لمثل هذا المبلغ الضخم في التنمية وتوظيفه في كثير من المشاريع التي تخدم هذا الفرد الذي يتصرف خطأ، سواء كان يعلم بإسرافه أو لا يعلم، وفي الحالين يحتاج إلى التوازن والاتزان، كما في قولهم «الاقتصاد نصف المعيشة».