أصبح الإنسان مع صخب الحياة يزيد اهتمامه بنفسه، ويقل تجاه حقوق الآخرين، وتجاه الكوكب الذي يعيش فيه. مرت دول العالم على فترات زمنية مختلفة بدورة الحياة الطبيعية من ازدهار وتقشف وجوع. وعندما يكون المجتمع في دورة الازدهار ينسى تماما معاناة جيله السابقة. ومع بدايات التقشف الحالية وتردي الوضع الاقتصادي عالميا، إلا أن جيل الازدهار الحالي لا يتذكر مآسي الجوع التي عاشها غيره. فالطعام المهدر سنويا في أمريكا حسب إفصاح منظمة Natural Resources Defense Council يعادل 165 مليار دولار سنويا، وهذا الطعام المهدر خلال عام واحد يكفي لملء 730 استادًا رياضيًّا! وفي ذات الوقت حسب إحصائيات 2013م فإن 50 مليون أمريكي لم يجدوا وجبة طعام يأكلونها خلال فترة من فترات السنة. أما عالميًّا فحسب إفصاح منظمة Food and Agriculture Organization يُرمى ثلث الطعام المُنتج في القمامة سنويا، وهو ما يعادل مليار و 300 مليون طن. وللتقريب لو أن أحد المتسوقين خرج من السوبرماركت يحمل 3 أكياس مليئة بالطعام، وسقط كيس واحد منه فإنه لا يعود لحمله ولا أحد ممن حوله يكترث لهذا الموقف. أما في أمريكا اللاتينية، فيكفي الطعام المهدر فيها لإطعام 300 مليون شخص. وكذلك في الدول الصناعية، فإن مجموع الطعام المهدر فيها سنويا يعادل ما قيمته 680 مليار دولار، وهو ما يعادل ميزانية السعودية الأخيرة لمدة 3 سنوات تقريبا! أما في أوروبا، يُهدر الشخص الواحد ما يقارب 115 كيلوغرامًا من الطعام سنويا. غياب المجتمع الخليجي عن القائمة السابقة لا يعني سلامته من مرض الهدر الغذائي، وإنما لضعف وجود التقارير الرسمية التي تغطي مثل هذه المواضيع. ولا يغيب عن الذهن سلسلة الهدر الغذائي المتكررة بعد المناسبات الخليجية تحت غطاء الكرم الخليجي. إذا كان العالم يواجه خطر الأسلحة النووية والتلوث الجوي والاحتباس الحراري، وكلها أمور تهدد سلامة الشعوب، فإن الأمن الغذائي يجب أن ينتقل من مرحلة الاستنكار والتحذير عبر تقارير من منظمات دولية، إلى إقرار قوانين دولية تحفظ مستقبل الآخرين على هذا الكوكب، فالعالم ليس بحاجة لضخ مزيد من المشاريع الغذائية لتأمين لقمة العيش مع تزايد العدد السكاني، وإنما يحتاج لضبط هذا الهدر واكتفاء الفرد بحاجته الفعلية من الطعام. أخيرا حسب نسبة النمو في الهدر الغذائي للفرد الأمريكي خلال الفترة ما بين 1974م وحتى 2014م والتي بلغت 50٪ من حاجته الفعلية فإن هذا يعني بحسب نسبة النمو أن الفرد الأمريكي في عام 2054م عندما يطلب بيتزا على سبيل المثال فإنه سيطلب من عامل التوصيل رميها في القمامة مباشرة لأنه لا يحتاجها فعليا.