هل تسمعين ندائي ... هل نبضك مازال على قيد الحياة ام انه توقف..؟ هل مازال هناك فرصة للبحث عن مكان للجنة تحت أقدامك...؟ كانت هذه آخر الكلمات التي قالتها لوالدتها.. في دار المسنين قبل ان تفارق الحياة ببضع دقائق !! أعتقد أن جميع أمهاتنا وآبائنا لهم الحق في ان نتحمل جميع مسؤولياتهم وأحزانهم وأفراحهم حتى لو فتك الشيب فيهم عتيا.. وهذا اقل تقدير نفعله للقيام بحقهم، جميعنا ندرك ما هو حجم الألم والأذى النفسي الذي يشعر به المسن حينما يدرك انه في مكان ليس بمكانه يبدأ يفتقد أبناءه، يدرك انهم تخلوا عنه وفكرة نبذه بالحياة تترسخ في حواسه، ليس هناك اية أسباب واردة ومقنعة للابناء لا قلة مصادر الدخل، ولا ازدياد ضغوط الحياة، ولا محدودية الموارد الاقتصادية، جميعا لا تغفر ذلك الشعور الذي وضعه في قلب ذلك العزيز لولا الله ثم هو لما وجد في الحياة أصلا..؟ يبدو ان دور العجزة أصبحت دهاليز حالكة على الرغم من المفاهيم العصرية التي أصبح الأغلب يعتادها ويشعر انها ليست بعار. ولست هنا أقلل من شأن الدار المعنية في عدم الاعتناء بذوي الأشخاص المسنين فهم يقدمون الرعاية الصحية اللازمة، يشاركونهم اهتماماتهم ونشاطاتهم، يحررونهم من العزلة. لكن ذلك لا يعوض غياب الروح والعاطفة والحنين الى أبنائهم، تجد معظم النزلاء هناك يغشاهم الهدوء والسكينة ربما من فرط الخذلان الذي أدركوه متأخرا في أقرب قطعة من أجسادهم..؟ تحكي لي إحدى الصديقات الموظفات في تلك الدار ولنسمها (ن.ف) انه كانت هناك نزيلة عجوز في دار المسنين متعبة، ويبدو ان الحياة أرهقتها وأخذت منها الكثير، وعلى الرغم من ذلك لم تزل تحافظ على ابتسامتها المشرقة كانت تمسك بيدها صورة دائما تحملها معها تنظر اليها، تأخذها بالاحضان اقتربت منها (ن.ف) قبلت رأسها وجلست بجانبها حتى ان تلك العجوز شعرت بفرحة غامرة وراحت تمسك بيدها وتقول لها (انظري هؤلاء ابنائي) انا احبهم كثيرا واشعر بالحنين الكبير لتلك الأيام حينما كانوا يبكون في أحضاني. في الحقيقه لم اعرف سر هذه السعادة التي تحتفظ بها على الرغم من هجر أولادها لها. كانت (ن.ف) تهم بالمغادرة لكنها توقفت حينما قالت لها: أرجوك إذا رأيتهم يوما ما (قولي لهم إنني في انتظارهم دائما) قررت في اليوم التالي (ن.ف) أن تذهب لزيارتها وتجلس معها حتى لا تشعر بالوحدة ربما قد تستطيع ان تنسى ما تشعر به من ألم، لكنها لم تجدها في السرير حتى بادرت بالسؤال عنها لتأتيها الصدمة، أنها قد فارقت الحياة، ولم يبق لها سوى صورة مكتوب وراءها (قولي لهم إنني سامحتهم..!).