تقدر منظمة الصحة العالمية أن واحدا من بين كل عشرة أشخاص يصابون كل عام جراء تناول غذاء ملوث، بينما يموت نحو 420 شخصا لنفس السبب. وفي ظل نمو الإمدادات الغذائية حول العالم بصورة معقدة، بات من المستحيل تقريبا لمنتجي الأغذية وتجار التجزئة ضمان منشأ وجودة هذه المنتجات. وبحسب تقرير لمجلة (نيو فود) المتخصصة في أخبار الغذاء والمشروبات، فهناك دوما مجموعة من المستفيدين من هذا الوضع شأن أي صناعة أخرى. وهو أمر ليس جديدا، فخلال القرن ال17 كان بعض المنتجين يغشون اللبن بالماء ويضيفون الطباشير إلى الخبز من أجل جنى أكبر قدر ممكن من الربح. ويقول التقرير إنه في حين أن التكنولوجيا قد تحسنت خلال القرن ال21، إلا أنه يجرى استخدام أساليب مماثلة لإنتاج طعامنا في عالم اليوم إلى الدرجة التي جعلت مقولة «أنت ما تأكله» مثيرة للقلق. وغني عن البيان حوادث الغش الغذائي المدوية بداية من تسمم زبدة الفول السوداني بالسالمونيلا في الولاياتالمتحدة عام 2009، ومرورا بفضيحة لحوم الخيول في بريطانيا عام 2013، وحتى الفضيحة الأخيرة التي تورط فيها اثنتان من كبرى شركات إنتاج اللحوم في البرازيل. وبطبيعة الحال، فإن هذه الفضائح تثير اهتماما كبيرا بأمن الإمدادات الغذائية، التي تعاني من تهديد مستمر من الغش، والذي يكلف بدوره الأسر البريطانية ما يصل إلى نحو 1.17 مليار جنيه استرليني سنويا. وبالنسبة للمنشآت التي تتورط في هذا النوع من الفضائح فإن العواقب تكون وخيمة، فتكلفة حادث غش واحد يمكن أن تستنزف ما يصل إلى 15% من إيرادات المنشآت السنوية، ناهيك عن الأضرار الفادحة التي تلحق بالسمعة والعلامة التجارية. ومثلما دمرت الأزمة المالية لعام 2008 الثقة العامة في القطاع المصرفي، ودفعت الناس للبحث عن التكنولوجيا من أجل سد الثغرات التي نجمت عن فقدان هذه الثقة، تعيش صناعة الأغذية نفس السيناريو. ولا سيما بعدما أصبح من الواضح تماما أن النظم الحالية لإدارة السلامة والجودة الغذائية ليست مصممة ببساطة للكشف عن الغش في الغذاء، ولا حتى متطورة بما يكفي لمنع حدوثه. وبحسب راشيل بوتسمان الخبيرة العالمية في شؤون الثقة، يجرى الآن التحول من نظام مؤسسي للثقة إلى نظام موزع يعتمد على التقنيات الجديدة، وهو التطور الطبيعي باعتبار أن الثقة المؤسسية ليست مصممة للعصر الرقمي. وتحدد بوتسمان أحد الأمثلة لنظام الثقة الموزعة بأنه التكنولوجيا التي تواكب أحدث صيحات التقنية المالية (فن-تك)، والتي سيكون لديها إمكانات هائلة داخل صناعة الأغذية وهي تقنية (بلوك تشين)، التي تم ابتكارها عام 2008، وهي عبارة عن برنامج معلوماتي مُشفر يُستخدم كسجل موحد للمعاملات على الشبكة. وبحسب التقرير يجري تطوير تقنية (بلوك تشين) بحيث تكون سجلا لا مركزي، لتدوين المعاملات وتخزين هذه المعلومات على شبكة بيانات عالمية بطريقة لا يمكن تعديلها في المستقبل. وفي حين أنه يجري توظيفها بشكل أساسي بسبب قدراتها المالية، إلا أن تقنية (بلوك تشين) لديها إمكانات هائلة للتتبع يمكن توظيفها داخل سلاسل التوريد. وتوفر تقنية بلوك تشين منصة محايدة ومفتوحة، لا وجود فيها لطرف ثالث من أجل إجراء المعاملات، ولكن يوجد بدلا من ذلك سلسلة من القواعد المنظمة التي يتعين على الجميع سواء كانوا مستخدمين أو مشغلين للنظام الالتزام بها. وبحسب التقرير توفر هذه التقنية مزايا عديدة لكافة الجهات الفاعلة داخل سلسلة التوريد. فبالنسبة لمنتجي الأغذية فإن أى محاولات للتلاعب بالمواد الغذائية أثناء انتقالها داخل سلسلة التوريد سيتم تحديدها فورا ومنعها قبل وصول الطعام إلى المتاجر. وبالنسبة لتجار التجزئة، فإذا كان المنتج الغذائي عرضة للخطر بطريقة أو بأخرى، فيمكن للمخازن تحديد العناصر المضرة والتخلص منها، دونما حاجة إلى طلب دفعات إضافية مكلفة. وبالنسبة للمستهلكين توفر المزيد من الشفافية والانفتاح لطمأنتهم بأن ما يتناولونه من طعام يتوافق بالضبط مع المدون على النشرة المرافقة له. ويشير التقرير إلى أن تقنية (بلوك تشين) توفر المعلومات الخاصة بالمواد الغذائية بداية من المراحل الأولى للتصنيع وحتى وصولها لأيدي العملاء. ومن خلال استخدام أكواد (كيو آر) والهاتف الذكي، يمكن للعملاء مسح هذه الأكواد عند نقطة البيع من أجل الحصول على تاريخ شامل لرحلة الغداء بداية من المزرعة إلى مائدة الطعام. وبهذه الصورة تعتبر أداة مفيدة للغاية؛ لأنها تسجل كل تفاعل يحدث للمنتج وتمنحه شهادة رقمية، ما يعني أنه لا يمكن تعديل بيانات المنتج أو التلاعب بها في وقت لاحق من قبل أي شركة تسعى إلى إخفاء أصل المنشأ وتحركات المنتج داخل سلسلة التوريد. ويوفر ذلك فرصة كبيرة للشركات التي ترى مزايا الاعتماد المبكر على تقنية (بلوك تشين) التي أحدثت ثورة بأنظمة التتبع. وتتوقع دراسات بأن قيمة الأعمال التجارية المبتكرة التي تعتمد على تقنية (بلوك تشين) ستبلغ نحو عشرة مليارات دولار بحلول عام 2022.