كما اختفت كثير من البرامج المهمة المرتبطة بالإنترنت والتي ظهرت في بداية الألفية وبقيت "الإنترنت"، فلربما ستختفي البيتكوين وبقية العملات الرقمية وتبقى تقنية (البلوك تشين Blockchain) التي تعمل من خلالها هذه العملات الرقمية. البلوك تشين أو ما يترجم ب (سلسلة الكتل) تقنية عبقرية تحمل أسلوباً جديداً في تنظيم وتبادل البيانات بأسلوب لا مركزي وبطريقة توفر الدقة والأمان والتنظيم، وقد استطاع مخترعها المجهول أن يتجاوز كثيراً من السلبيات الإجرائية في أنظمة التعامل مع البيانات الأخرى، حيث جعل منها تقنية موثوقة تملك الأمان من خلال منع تزوير البيانات، وعدم إمكانية اختراق الشبكة والتلاعب في البيانات، والشفافية في إتاحة نفس مستوى البيانات لجميع المستخدمين، وانخفاض التكلفة التي تعمل بها، والأهم سرعة وآنية التنفيذ. تستطيع هذه التقنية خفض التكاليف التشغيلية للمنشآت التي تعتمد عليها، حيث تقول دراسة قام بها بنك سانثاندير إن تقنية البلوك تشين قادرة على خفض تكلفة العمليات التشغيلية للبنوك الأميركية الكبرى بمعدل 20 مليار دولار سنوياً لكل بنك، كما تستطيع خفض تكلفة وقيمة تنفيذ العمليات بشكل لا يوصف لتصبح رسوماً رمزية. وخلافاً للأنظمة التقليدية فلا حاجة لوجود وسيط أو نظام تسجيل مركزي لمتابعة حركة تبادل المعلومات والتحكم بها، بل تقوم كل الجهات المرتبطة في الشبكة بالتعامل مباشرة مع بعضها البعض من دون حواجز أو معوقات بشكل يساعد على اكتشاف أي أخطاء ويوفر سجلات دائمة للعمليات. البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى هي أول تطبيقات تقنية البلوك تشين، ولكنه من الثابت أن هذه التقنية يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي وجوهري في كثير من تعاملات المال والأعمال المستقبلية؛ بهدف رفع الكفاءة وتقليل التكلفة، وتقول تقارير أميركية إنه يمكن أن يتم تطبيق تقنية البلوك تشين اليوم في عمليات مالية وإدارية مرتبطة على الأقل ب19 مجالاً مالياً وإدارياً وخدمياً، ومن بين تلك المجالات العمليات البنكية والمدفوعات والتأمين والإمداد وأمن المعلومات، وإنترنت الأشياء، الخدمات الصحية، وإدارة الطاقة، وإدارة الأصول والنشاطات الخيرية والانتخابات. وتقول شركة IBM إنه بحلول نهاية العام 2018 سيكون على الأقل 15 % من بنوك العالم معتمدين على تقنية البلوك تشين في إدارة بيانات بعض منتجاتهم وخدماتهم، وقد بدأت بالفعل بنوك UBS و Citi Bank وباركليز، وغولدمن ساكس باستحداث وظائف لمهندسين مسؤولين عن مشروعات البلوك تشين. المملكة ليست ببعيدة عن تلك التطورات من خلال برامج الرؤية التي تركز على استخدام التقنية لتوفير الكفاءة والفعالية في جميع التعاملات، وفي هذا الاتجاه وبمبادرة مميزة فقد وقعت مؤسسة النقد العربي السعودي اتفاقاً مع شركة Ripple لتجربة استخدام تقنيات الشركة في تنفيذ عمليات التحويل الخارجية بين البنوك، كما تعمل عدة وزارات ومرافق أخرى من بينها وزارة العدل على مبادرات مماثلة لاستخدام تقنية البلوك تشين لتوفير أسلوب خدمات أفضل. من المؤكد أن البلوك تشين تقنية واعدة ستغير كثيراً من بيئة الأعمال العالمية سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، وستنعكس على أسلوب تقديم الخدمات وشكل التعاملات على المدى المتوسط والبعيد، ولن يقتصر استخدام هذه التقنية على مجال معين، ولكنه من المتوقع أن يتوسع استخدامها تدريجياً، حيث بدأ العمل على ذلك، ولا أعتقد أنه سيتوقف. Your browser does not support the video tag.