تحدثتُ في المقال السابق عن بعض الجوانب النظاميَّة الخاصَّة بموضوع القضاءِ المستعجَلِ، واستكمالاً لما سبق ذكره؛ فلقد حدَّد نظام المرافعات الشرعيَّة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 22/1/1435ه.، في المادة (207) موعدَ الحضور في الدعاوى المستعجلة؛ وقدره أربعةٌ وعشرون ساعة، كما أجازت هذه المادة إنقاصَ هذا الموعد، ولكن قيَّدتْ ذلك بشرطين، أوَّلهما: أن تكون هناك حالة من حالات الضرورة القصوى، وهذه الضرورة يقدِّرها القاضي ناظرُ الدعوى، وثانيهما: أن يصدر أمرٌ من المحكمة يقضي بذلك، وكما يجوز إنقاص المدَّة المذكورة؛ يجوز كذلك زيادتها عند الاقتضاء. وحول كيفيَّة التبليغ في الدعاوى المستعجلة؛ فإنَّه يتمُّ بالطرق المعتادة، ولكنَّ الأمر يختلف في حال إنقاص الموعد عن أربع وعشرين ساعة؛ إذ في هذه الحالة يلزم أن يتمَّ تبليغ الخصم نفسه أو وكيله في الدعوى نفسها، علاوة على ضرورة أن يكون بمقدوره الوصول إلى المحكمة في الوقت المحدد. وجدير بالذكر أنَّ المنظِّم السعوديَّ قد أدخل مؤخرًا تعديلات ذات قيمة مضافة بشأن مسألة التبليغ؛ إذ يعدُّ التبليغ منتجًا لآثاره النظاميَّة إذا تمَّ عن طريق الرسائل النصيَّة المرسلة عبر الهاتف المحمول للشخص المعنيِّ، أو عبر البريد الإلكترونيِّ، أو عن طريق إحدى الحسابات المسجَّلة في أيٍّ من الأنظمة الآليَّة الحكوميَّة. ولقد نصَّت المادة (206) من نظام المرافعات الشرعيَّة على أنواع الدعاوى التي تدخل تحت مظلَّة القضاء المستعجل، وأولها: دعوى المعاينة لإثبات الحالة، وهي دعوى يتقدَّم بها صاحب مصلحة – حتى وإن كانت محتملة – إلى المحكمة المختصَّة من أجل أن يثبت أمام القضاء معالم واقعة يحتمل أن تصبح محلاً لنزاع مستقبلي، ومن ذلك على سبيل المثال طلبُ معاينة منقول أو عقار لحق به ضررٌ أو هلاكٌ، من أجل إقامة دعوى على المتسبِّب في ذلك. والثانية: دعوى منع التعرُّض للحيازة ودعوى استردادها، فأحدهما دعوى المنع، وهي دعوى يتقدَّم بها المدَّعي الحائزُ للشيء الذي يقع تحت يده للمطالبة بكفِّ المدَّعى عليه عن مضايقته فيما تحت يده من عقار، والأخرى دعوى الاسترداد وهي طلب من كان بيده العقار إعادته إلى حيازته بعد أن انتُزع منه. والثالثة: دعوى المنع من السفر، وقد سبق لي الحديثُ عنها بشيءٍ من التفصيل في إحدى مقالاتنا المعنونة ب (منع الخصم من السفر). أمَّا الرابعة: فهي دعوى وقف الأعمال الجديدة؛ وهي دعوى مستعجلة تقام ممن تضرَّر من بعض الأعمال التي قام بها المدَّعى عليه، فإن اقتنع القاضي بأسبابها ومسوِّغاتها أصدرَ أمره بوقف هذه الأعمال. ولكن يُشترط لوقف هذه الأعمال شرطان أولهما: أن تكون هذه الأعمال قد بدأت ولم تنته بدون وجه حقّ، إذ إن هذه الأعمال لو تمَّت وانتهت لن تكون هناك حاجة إلى اللجوء إلى القضاء المستعجل، بل يتمُّ في هذه الحالة رفع دعاوى لإزالة الضرر. وثانيهما: أن تُلحِق هذه الأعمال ضررًا بالمدعي. وفي حال صدور حكم في هذه الدعوى فإنه يقتصر على وقف الأعمال الجديدة مؤقتًا دون التعرُّض لإزالتها. والخامسة: دعوى طلب الحراسة: وهي دعوى تقام بغرض وضع الأموال المتنازع عليها تحت يدِ أمينٍ تعيِّنه الدائرة المختصة بنظر النزاع، في حال لم يتفق ذوو الشأن على تعيينه، وفيها يلتزم الحارس بالحفاظ على المال وإدارته. أمَّا السادسة: فهي الدعوى المتعلقة بأجرة الأجير اليوميَّة، ويدخل في هذه الدعوى كلُّ من وجب أن تصرف أجورهم مرَّة على الأقل كل أسبوع. والسابعة والأخيرة: فهي الدعاوى الأخرى التي يعطيها النظام صفة الاستعجال، ومنها طلب رؤية صغير أو تسليمه، وطلب الحجر على المال، وإثبات شهادة يُخشى فواتها، وقد نصَّت على هذه الدعاوى المادة (206/3) من اللائحة التنفيذيَّة لنظام المرافعات الشرعيَّة.