يشتكي أغلب أصحاب الأعمال وقادة المنشآت من ترك الموظفين السعوديين للعمل لديهم بعد فترة زمنية قصيرة، وهذا الموضوع للأسف يتم تعميمه والأخذ فيه كحجة للتقليل من توظيف السعوديين، وبالرجوع لأغلب الدراسات المختصة في تحليل الموارد البشرية نجد من نتائجها أن هناك عوامل عديدة لها تأثير في عملية الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص، وأهمها: «الأجر وبيئة العمل»، وفي هذا المقال سأكتب عن واحدة من أهم المشاكل في سوق العمل لدى أصحاب الأعمال وهي كيفية الاحتفاظ بالكفاءات لفترات أطول. شخصيا أستغرب من تذمر أغلب أصحاب الأعمال خصوصا فيما يخص استقرار الكوادر السعودية المميزة لديهم، وبتحليل البيئة الداخلية لدى تلك الفئة نجد أن هناك إهمالا في تطوير بيئة العمل، بالإضافة لممارسات عديدة «غير صحيحة» للاحتفاظ بالكفاءات، ومن أهم تلك الممارسات التركيز على توظيف من كان تنقلهم بين أصحاب الأعمال أقل وفترة بقائهم مع أصحاب العمل السابقين أكثر «وللعلم تلك الفئة من الموظفين من الصعب الاحتفاظ بهم لفترات طويلة نظرا لكثرة الطلب عليهم»، ومن الممارسات السلبية كوجهة نظر شخصية هي تجاهل أوضاع الموظفين المميزين ومن ثم البدء بالمفاوضة لزيادة أجورهم عند تقديمهم لاستقالاتهم رسميا بحجة الحصول على عرض أفضل، وتلك الممارسة سواء فشلت أم نجحت سيكون تأثيرها سلبيا على باقي الموظفين في نفس المنشأة. لا يعني دفع الأجور التنافسية فقط بأن المنشآة متفوقة على منافسيها وتضمن بقاء موظفيها المميزين، فثقافة المنشأة نفسها هي الأساس في زيادة استقرار موظفيها وزيادة ولائهم من خلال خلق بيئة عمل داخلية رائعة، وهناك عوامل عديدة تقلل من كثرة تنقلات الموظفين وتزيد من استقرارهم، وأهم عامل لذلك هو تعزيز بُعد «الفخر» والمتعلق في مدى شعور الموظفين بالفخر بعملهم، ويساهم ذلك بشكل مباشر في زيادة استقرار الموظفين، وبشكل غير مباشر بالتسويق الخارجي لبيئة العمل من خلال نقل التجارب والمبادرات من خلال موظفي المنشأة للغير، فشهادة الموظفين حول بيئة العمل تُعد المقياس الأكثر جوهرية لمدى اعتبار المنشأة مكانا جاذبا للعمل والاستمرارية. عملية الاستقرار الوظيفي لا يمكن ضمانها على الجميع ولا تتعلق بسياسة «أدفع لك واجلس»، فالعملية هي استراتيجية تغيير داخلي بشكل مستمر لتحسين بيئة العمل وتمييز المنشأة عن غيرها، وإن لم يقتنع أصحاب الأعمال بذلك فلا حجة لديهم إذا ترك موظفوهم المميزون منشآتهم، فإما أن يكونوا منشآت منافسة أو جسرا للعبور عليه للمنشآت الأخرى الأجدر والأفضل، وأهم آلية لضمان الاستمرارية في تحسين بيئة العمل هي التوجه لتطبيق مقابلات الاستبقاء بشكل دوري لجميع الموظفين، والأخذ بها جديا مع أصحاب القرار في المنشآة. إذا ارتبطت خسارة المنشأة بغياب موظف فهذا يعني أن المنشأة تسير في الاتجاه الخاطئ، ولذلك على المنشأة إعادة النظر في سياستها الداخلية المتعلقة بالتعاقب الوظيفي وتجهيز الخلفاء، ومن المهم أن يدرك أصحاب الأعمال وقادة المنشآت أن عملية الاحتفاظ بالموظفين «خاصة المميزين منهم» لا يمكن أن تتم بشكل متكامل، وستبقى المسألة فنا من فنون الإدارة والتي يمكن زيادتها وتحديد مؤشرات أداء لها يتم مراجعتها بشكل دوري. ختاما.. إذا دربت موظفك السعودي وطورته ومن ثم قدم استقالته فلا يعني ذلك أن الموظف السعودي غير جدير بالعمل، ومثل هذه الحالة من المهم أن ينظر لها أصحاب الأعمال وقادة المنشآت بأنها من المسؤوليات الاجتماعية عليهم لزيادة التراكم المعرفي في سوق العمل بدلا من التذمر المستمر، فالمسؤولية الاجتماعية تعتبر التزاما وليس منة.