هناك خلل وفجوة بمفهوم الهوية الثقافية أو الهوية التشكيلية إن جاز التعبير بين الأجيال، بيد أن هذه المسألة شائكة ولا يمكن الخوض فيها دون الإلمام بأبعادها وأعماقها، ولن يكون ذلك ممكنا بكلمات مقتضبة بهذا الحجم، ولكنني أود هنا أن أُشير إليها بالبنان، فهي مجرد محاولة للفت الانتباه الى مسألة، إن بقيت على حالها سيكون لها الأثر الكارثي في المستقبل القريب والبعيد، على المشهد التشكيلي الخليجي. فنظرية الهوية الثقافية للمجتمعات، التي تعرف بأنها حالة تشكلها عدة عناصر منها مجازاً وليس حصراً، الدين، العرق، اللغة، التراث، الفلكلور، والقيم الاجتماعية، فتغنى بها الكثيرون في القرن الماضي ومنهم الناقد الأدبي الانجليزي توماس ستيرنز إليوت، بكتابة ملاحظات نحو تعريف الثقافة، وتمرتس خلفها جيل قد غمس رأسه بالرمال، وهم في غفلة، لتسقط تلك النظرية، في بزوغ هذا القرن الجديد، الذي كان ومازال يُبنى على نشر الثقافة والمعرفة الرقمية وتقنية المعلومات بالاتصالات، التي تخطت كل الحدود والأعراف والقيم الاجتماعية، مما أفرز جيلاً قد استجاب لتدفق تلك المعلومات، وتطور وفق معاييرها منها، الهوية الا حدود، الهوية الا مكان، الهوية الا تبعية، فتشعبت الرؤى واختلفت الاتجاهات، الأمر الذي يقود إلى صراعات بين جيل لم يفهم تلك الثقافة الرقمية ورفضها حد الإقصاء، لينعت الآخر «بالتابع للغرب وللفنون السطحية على حد تعبيرهم»، وجيل يليه قد استقاها بكل تفاصيلها الإيجابية والسلبية، ليتهكم هذا الأخير على مَنْ سبقه «بديناصورات التشكيل». ومما زاد الطين بلة أن تكونت فجوة كاتساع الأفق بين الأجيال ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالتباعد وعدم الحوار والتواصل فيما بينهم، الذي تطور إلى إقصاء بيد أن الأمور وصلت إلى ما وصلت إليه في غفلة وسبات من المؤسسات الرسمية كالوزارات المعنية بالثقافة وجمعيات التشكيليين، التي يقع على عاتقها المسؤولية، لتجمع الأطراف المختلفة بمؤتمر يناقش هذه الظاهرة، أو ورشة عمل، كي نخرج بشيء من الحلول، لتخطي هذه المسألة، فالكلمات التي نقرأها هنا أو هناك بين الفينة والأخرى توحي الى أن ثمة تصادماً قريباً لا يحمد عقباه. الشاهد هنا ان هذه الظاهرة لا تقتصر على التشكيليين وحسب، بل إن الروائيين والأدباء أيضا يعانون من تلك الفجوة وإقصاء الآخر.