في أحدى أشهر المراثي التي كتبت في القرن العشرين، يقول الشاعر و.ه. أودن في رثاء الشاعر ويليام بتلر ييتس «Poetry makes nothing happen « وهو ما يمكن ترجمته ب «ليس بوسع الشعر أن يصنع شيئاً»، وهي ترجمة تقصر عن النص الأصلي ولا تؤدي تمام معناه، لكن ليس هذا هو موضوع الزاوية على أية حال. ما أود قوله على الأرجح : إنه مهما بلغ الشعر من الجماليات ومن الكمال الفني فإن تأثيره على مجريات الواقع يبقى معدوماً أو شبه معدوم، وهي حقيقة لا يجادل فيها فيما أحسب إلا المكابرون الذين يحلو لهم أن يحملوا الشعر ما لا طاقة له به. ليس مطلوباً ولا متوقعاً من الشعر أن يحدث تغييراً في العالم المحسوس المباشر، لأن ذلك ليس مهمته المنوطة به والمرجوة منه، دون أن ينفي ذلك ضرورته وأهميته القصوى في حياتنا ولاستمرار حياتنا. ضرورة الشعر هذه هي ما يدافع عنه ويدعو إلى الإيمان بها الشاعر كيفين يونغ في كتاب (فن الخسران) الذي جمع فيه 150 قصيدة من قصائد الرثاء المعاصرة التي كتبت في القرن العشرين وما بعده. اي ضرورة او حاجة لكتابة الشعر ستكون أقوى من كتابة مرثية يعبر فيها الشاعر عن ألمه وحزنه لفقد أحد المقربين منه؟ غير أن قصائد الرثاء الحديثة ليست محض تعبير عن الألم والحزن فحسب يقول يونغ : إن الضرورة هي الدافع وراء كتابة أغلب الشعر ذي الشأن، وإن أفضل القصائد هي تلك التي تضيء البقع المعتمة لتجارب الحياة الخادعة ببساطتها، بما في ذلك تجارب الحياة اليومية العابرة. وأي ضرورة أو حاجة لكتابة الشعر ستكون أقوى من كتابة مرثية يعبر فيها الشاعر عن ألمه وحزنه لفقد أحد المقربين منه؟ غير أن قصائد الرثاء الحديثة ليست محض تعبير عن الألم والحزن فحسب، بل إنها تتعدى ذلك كما يوضح يونغ في مقدمة الكتاب إلى الرغبة في تصوير التجربة، وإلى عيشها مرة أخرى من خلال اللغة، بمعنى أن تثير، ولا تكتفي فقط، بوصف ألم الفقد. وهي إذ تفعل ذلك فإنها تولي تركيزاً أكبر لعملية الحزن الشخصي من اهتمامها بطقوس العزاء والفقد المعتادة. يوزع يونغ قصائد الكتاب على ست مجموعات هي: الاعتراف والندم والتذكر والطقس والشفاء والخلاص، ولا ينسى أن يذكرنا في ختام مقدمته بأن قصائد الرثاء قد كتبت للأحياء بقدر ما كتبت عن الأموات، وأنها تحتفي بالحياة وتطلب منا أن نحتفي بحياتنا حتى وإن كان ذلك عبر تكريمنا واحتفائنا بحياة الآخرين الذين لم يعودوا معنا والذين سنلحق بهم عاجلا أو آجلا.