أعترف أنا المدعو كاتب هذا المقال وبكامل قواي العقلية بأنني ركبت القطار الليلي المغادر من برشلونة إلى باريس، وهو خط مشهور في الربط بين جنوب أوروبا وشمالها. وفي منتصف الطريق، ونحن نائمون، لم نعلم عمّا يحدث شيئًا، حيث تأخر القطار لسبب فني فيما يبدو لمدة أربع ساعات. ونتج عنه التأخير في استقبال القطار في المحطات الفرنسية لمدة ساعتين. إذًا مجموع التأخير في الرحلة كان ست ساعات. وبعد أن وصلنا إلى المحطة النهائية للقطار وهي باريس، استقبلتنا كوادر شركة النقل على الرصيف الذي وقف عليه القطار؛ وبأيديهم ظروف كثيرة. فأعطوا كل راكب ظرفًا فيه استمارة تُعبّأ من أي مكان في فرنسا، وعليها طابع بريد فرنسي، بحيث يضعها الراكب في أي صندوق بريد، أو يرسلها له فندقه، ويرفق مع الاستمارة في الظرف تذكرته التي اشتراها من برشلونة أو أي مكان آخر. وما الهدف من هذا الإجراء؟ قالوا: يُعاد إليك مبلغ التذكرة بالكامل إلى بنكك الذي تكتب بياناته في الاستمارة، كما تُرسل لك تذكرة أخرى من برشلونة إلى باريس مجانًا. ثم أشاروا إلى الفطور البسيط الذي وضعوه على جانب الرصيف للركاب مجانًا. فعلًا هذا ما حصل معي، ومتأكد من أنني لست الوحيد، الذي اقتنع بإحساس الشركة الناقلة بالمسؤولية إزاء تأخير الناس، حتى لو كان من أجل سلامتهم مثلًا، إذا كان التأخير من أجل إصلاح يوفر السلامة. فقد أحسستُ بأنهم يحترمون الراكب، واختياره لهم، ولذلك لن أستبعدهم من الاختيار مرة أخرى. ماذا يعني هذا؟ هل هم كرماء، أو مبذّرون (إذ يكفي أن تكون تذكرتك التي يفوق سعرها الألف ريال أعيد ثمنها إليك)؟ لا، ليسوا كذلك. بل إنهم حريصون على أن يركب معهم هؤلاء الركاب مرة أخرى. فهم ليسوا في سوق بيع المنتج مرة واحدة. ولا بأس أن يخسروا بسبب هذا العطل بعض أرباحهم مقابل ألا يخسروا زبائنهم. تذكّروا هذه الجملة الأخيرة! وفعلًا هذا ما حصل معي، ومتأكد من أنني لست الوحيد، الذي اقتنع بإحساس الشركة الناقلة بالمسؤولية إزاء تأخير الناس، حتى لو كان من أجل سلامتهم مثلًا، إذا كان التأخير من أجل إصلاح يوفر السلامة. فقد أحسستُ بأنهم يحترمون الراكب، واختياره لهم، ولذلك لن أستبعدهم من الاختيار مرة أخرى. قرأت في خبر هذا الصيف أن سعوديًا (إعلاميًا فيما أتذكّر) قد ركب على متن الخطوط البريطانية وكانت سماعات الترفيه لا تشتغل، وطلب مِن طاقم الطائرة المساعدة استبدال السماعات لكن دون جدوى، إذ كان العطل في الداخل. وفيما ذكر الخبر، أن الراكب جاءه اتصال بعد وصوله إلى السعودية بأيام، أو رسالة بأن الشركة تأسف على ما حصل له، إذ كانت متعته في الركوب معهم أقل بتعطل قناة الترفيه، ولم يكن لدينا حسب رسالتهم مكان آخر شاغر لننقلك إليه. ولهذا نخبرك بأنك تستطيع الحصول على تذكرةٍ مجانية إلى لندن.. رغم أن الراكب لم يقدّم شكوى على الإطلاق (على عادة السعوديين المتواضعين في قبولهم ما يفرض عليهم). شعرت بالغيظ من تعليقاتٍ على الخبر آنذاك بأن كثيراً من السعوديين يريدون الإشادة فقط بالشركات الأجنبية، وإلا فهم «حرامية»، ولا يقدّمون خدمات كالتي تقدّمها الخطوط السعودية.. إلخ الكلام الذي كتبه موتور لم يتحرّ شيئًا عن صحة الخبر، ويجعله في عداد الأساطير لأنه لا يتفق مع طموحه الذي ربما لا يتجاوز أن السعودية تحقق له رغبته بوضعه بجانب زوجته. ومن أجل التكذيب الجاهز لدى بعض جمهورنا المغرّر به، من أن ما يُقدّم له محليًا هو أفضل ما يمكن تقديمه، أعلنت اعترافي هذا وأنا على استعدادٍ لنشر وثائق التعويض إذا كان هناك مَن لا يصدق أن شركاتنا المحلية أسوأ الموجود. وأرفق مع هذه الشهادة واقعًا مزريًا كان لي مع الخطوط السعودية؛ بدّلت فيه درجة مقعدي على رحلة دولية طويلة دون إذني ودون تأخير مني. ثم وضعت لي خيار التعويض الإجباري واستعادة فرق السعر من المكتب الذي أصدر التذكرة. ولم أحصل على التعويض ولا على الفرق، لأن التعويض كان يتطلب شيئًا يعمله أحد مندوبيهم هناك ولم يعمله، والفرق حصروه في شهر من وقت السفر، دون أن يخبروا بذلك. فأي فرقٍ بين التعاملَين. وفي الوقت نفسه أرسل هذه القصص (الأسطورية!!) إلى الأستاذ عبدالعزيز الدغيثر مدير محطة السعودية في الرياض صاحب التصريح الخطير بأن «مَن يقارن السعودية بشركات الطيران الخليجية جاهل أو حاقد..» فعلًا المقارنة العادلة هي مع الخطوط الصومالية إن كان لها وجود!