مع أنه عاش في عصر كثرت فيه البدع إلا أنه لم يكن فظا ولا غليظ القلب وتميز بالجدل بالتي هي أحسن ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة تمشيا مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن متعصبا لرأيه بل كان يحاور ويرجع عن رأيه إذا تبين له ما هو أصح حتى لقد نهى عن كتابة فقهه لأنه كثير العدول عن آرائه .. لم يكن ضيق الأفق ولا جامد الفكر . قال عنه بعض الفقهاء : "انه جمع العلم كله" وقال عنه الإمام الشافعي حين ترك بغداد إلى مصر : "تركت بغداد وما فيها أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل " ولد في بغداد عام 164 ه من أبوين عربيين ، مات أبوه وهو طفل فتولت أمه رعايته ودفعت به إلى طلب العلم منذ صغره أنضجه الاعتماد على نفسه حتى قال عنه أحد أساتذته : " إن عاش هذا الفتى فسيكون حجة على أهل زمانه " عانى كثيرا ليوفر على أمه مشقة الإنفاق عليه وهي التي لم تكن تملك الا عدة حوانيت تركها له أبوه لا يزيد ايجارها على 17 درهما في الشهر . عمل حمالا ونسّاخا وحائكا . وظل يتنقل ماشيا على قدميه في طلب الحديث فقد كان عاجزا عن تأمين راحلة فجمع آلاف الأحاديث . وتابع طلب علوم الفقه ، فقه الصحابة والتابعين وتابعيهم . ومن أقواله المشهورة عندما عوتب على كثرة أسفاره في طلب العلم : " مع المحبرة إلى المقبرة" ومع هذا كثيرا ما سئل فقال : "لا أدري" صحب الإمام الشافعي وقال عنه : إن فاتنا علم هذا الرجل فلن نعوضه إلى يوم القيامة " عاش في بغداد وهي تعيش صراعا هائلا بين المذاهب الفكرية والفقهية والعلمية ، أفتى بوجوب طاعة الحاكم مما استعدى عليه كثير من أهل زمانه وقد عدل عنها لاحقا عندما اشترط أن يكون عادلا . وقف إلى جانب الفقراء وحارب كنز الأموال دون النظر في حاجة فقراء المسلمين . كما كان مبدؤه " لا احتكار .. فالمحتكر ملعون " وهذا جعله هدفا للكثير من حكام ووجهاء واغنياء عصره . رفض مناقشة ما يخرج عن الكتاب والسنة مما عج به عصره من أفكار المعتزلة والفلاسفة وقضايا الجبر والاختيار . أخذ بمبدأ القياس وتوسع فيه أكثر من غيره من الأئمة فأخذ بالقياس الظاهر والخفي وراعى الحكمة إلى جوار العلة وركز على الأخذ بالمصالح . وعندما احتدم الصراع في عهد المأمون حول خلق القرآن نأى بنفسه عن ذلك إلا أنه أقحم في الأمر فدافع عن رأيه بشجاعة رغم عذاب سنتين ونصف في السجن وخرج من السجن أكثر صلابة وأعلى منزلة . رحم الله أحمد بن حنبل وجزاه عن الأمة خير الجزاء .