هكذا تحول احتكار الكرة بالتمرير وتحول الإعجاب بالطريقة الإسبانية إلى انتقاد للانتصار الذى يحققه الإسبان فى صحف عالمية وأوساط الخبراء.. فهل أصبح منتخب إسبانيا قاتلا لكرة القدم؟. كانت المدرجات تحمل 50 ألف متفرج وبعض هذا الجمهور الذى احتشد باستاد دونباس ارينا أخذ يطلق صفارات الاستهجان كلما تبادل الفريق الإسبانى الكرة ثلاث أو أربع مرات.. والواقع أن الطريقة الإسبانية كانت تلعب من قبل فى مطلع التسعينيات بواسطة منتخب كولومبيا بقيادة كارلوس فالديراما من خلال المثلثات.. وكانت الترشيحات فى كأس العالم 1994 تضع الفريق الكولومبى فى المقدمة بالنظر إلى أسلوبه فى تبادل الكرة وتمريرها واحتجازها واحتكارها.. إلا أن الفريق خيب التوقعات تماما. فى كأس أوروبا 2008 كان متوسط نسبة استحواذ الإسبان للكرة فى كل مباراة 58% وفى كأس العالم 2010 أصبحت النسبة 65% وفى هذه البطولة أصبحت نسبة الاستحواذ 68%.. إنهم ملوك التمرير، وصناع الملل.. تلك هى فلسفتهم. إنهاك الخصم، والانتظار بصبر ودأب للحظة تسجيل الهدف القاتل. وهى فلسفة مستمدة من رياضتهم الشعبية، إنهاك الثور بالمصارع وبمساعديه الستة، ثم توجيه الطعنة القاتلة إلى قلبه فى نهاية العرض. لعب البرتغاليون بشجاعة وجرأة. وكانت معركة الوسط فريدة وشديدة، وهى بين ثلاثة وثلاثة. بين سيرجيو بوسكيتس وتشافى هرناديز وتشابى الونسو ميجيل فيلوزو وجواو موتينيو وراوول ميريليش، فقد كان باولو بينتو المدير الفنى البرتغالى يعلم جيدا أن قوة الإسبان فى خط وسطهم، وقوة خط الوسط الإسبانى تكمن فى التمرير وبناء الهجمات والتحرك بدون الكرة، فجعل ثلاثى وسطه يضغط بقوة وبسرعة، وكان وسط الملعب يبدو مثل سماء ساحات حرب تدور وسط غيومها معركة من معارك الطيران القديمة.. طائرة ضد طائرة، طيار ضد طيار، لاعب ضد لاعب.. وهذا ما كانت تعرف به تلك المعارك.. DOG FIGHT التى حسمت بشكل كبير الحرب العالمية الثانية. واصل الإسبان انتصاراتهم المتتالية (9 مباريات رسمية وودية على التوالى بدون هزيمة.. و19 مباراة رسمية متتالية بدون هزيمة).. لكن فى إحصاء حول مباراتهم مع البرتغال وجد أنهم فقدوا 85% من تمريراتهم.. وهذا يعنى فقدان الكثير جدا من قوتهم. كان رأس الحربة الفارو نيجريدو الذى دفع به ديل بوسكى المدير الفنى لإسبانيا من مفاجآت التشكيل.. وتعرض نيجريدو لظلم كبير، فقد عجز خط وسطه عن تمويله بالكرات التى تجعله يعبر عن قدراته وإمكاناته.. وسواء كان الفوز الإسبانى تحقق بركلات الحظ الترجيحية، أو ببراعة الإسبان فى صناعة الملل وإصابة الخصم به، وسواء كان هذا الفوز مختطفا أو قبيحا، ففى النهاية سجل كتاب التاريخ أن إسبانيا فازت على البرتغال. وستلعب المباراة النهائية للمرة الثانية على التوالى، ولو فاز الفريق بالكأس فسوف يمتلكها، بعد أن أحرزها من قبل مرتين فى عامى 1964 و2008.. ولو فاز باللقب سيكون أول فريق يفوز بثلاثة ألقاب كبرى على التوالى.. لكن لو تظل دائما من عمل الشيطان والعياذ بالله!..