ابحث تحت عنوان الماتادور فى موسوعة ويكيبيديا، فسوف تجد 50 عنوانا عن كرة القدم الإسبانية ونجومها. فالمنتخب الفائز على كرواتيا هو الماتادور، وتوريس هو الماتادور، وبرشلونة هو الماتادور. وراءول هو الماتادور. وسوف تمضى فى البحث ولن تجد ما تبحث عنه بالفعل، إنه: من هو الماتادور؟ هل هو المصارع الذى يصرع الثور فى الدقيقة الأخيرة؟ ومن هو البيكادور؟ هل هو الرجل الذى يمتطى الجواد ويبدأ حفلة مصارعة الثيران.. على أى حال بدا لنا أن خيسوس نافاس الذى سجل هدف الفوز لإسبانيا فى الدقيقة 88 كان الماتادور الذى صرع الثور الكرواتى فى الكوريدا على حلبة ارينا جدانسك فى بولندا. لعب الفريق الإسبانى بحذر، لأن كرواتيا كانت فى أشد الحاجة للفوز، ومارس الإسبان كرتهم وفلسفتهم المستمدة ربما من جذور رياضة مصارعة الثيران الشعبية التى تقوم على فكرة إنهاك الثور ثم الإجهاز عليه فى الدقائق الأخيرة (فى إسبانيا يصرع 300 ألف ثور سنويا، وفى البرتغال لا يقتلون الثور أمام الجمهور وإنما يذبح بواسطة جزار محترف بعد العرض أو بعد اللعب). وأثناء عملية الإنهاك يتعرض المصارع لأخطار الإصابة أو الموت.. كذلك يمكن أن يتعرض المرمى الإسبانى لخطر الإصابة بهدف فى بعض الأحيان. لكن لعبة الإنهاك التى يمارسها الماتادور مع الثور، أو التى يمارسها فريق الكرة الإسبانى مع خصمه، فيها كثير من الملل بقدر ما فيها كثير من الجمال.. فهم يلعبون بصبر وبحذر وبإصرار. والمصارع يتحدى خصمه بصبر وبحذر وبإصرار.. راقب مرة كيف ينهك المصارع الثور على حلبة الكوريدا وراقب كيف يلعب الإسبان مع خصومهم؟. كانت نسبة الاستحواذ فى تلك المباراة 65% لمنتخب إسبانيا مقابل 35% لمنتخب كرواتيا. هكذا يلعب الإسبان كرة القدم منذ 40 عاما وهم أجروا عمليات تطوير بالاشتراك مع المدرسة الهولندية، كرويف وريكارد ويقوم هذا الأسلوب على التمرير القصير والتحرك فتمضى الكرة فى عدة قنوات خلال اللعب. والاحتفاظ بالكرة والشعار واحد، استقبل الكرة، ومررها، وتحرك.. وهذا الأسلوب يعد تطويرا للكرة الشاملة التى قدمها فريق أياكس أمستردام فى مطلع السبعينيات ثم منتخب هولندا فى مونديال 1974 واخترع الكرة الشاملة رينولز ميتشيلز مدرب أياكس ثم برشلونة فيما بعد وهو الذى وضع لبنة الأسلوب الحالى الذى يلعب به الفريق الكاتالونى. ففى الكرة الشاملة كان جوهر الأسلوب أن يتبادل اللاعبون مراكزهم. وفى أسلوب تيكى تاكا تتحرك الكرة ويتبادلها اللاعبون. وهذا الأسلوب سمح للإسبان بالسيطرة على مراكز اللعب وعلى الخصم. فى الدقيقة 85 من مباراة إسبانيا وتشيلى فى مونديال 2010 وكان الفريق الإسبانى متقدما 2/1 سأل ديل بوسكى مساعده تونى جراندى: لماذا لا يهاجموننا؟ كان الهدف أن يتقدم لاعبو تشيلى وتفتح الثغرات فى خطوطهم.. وهذا أحد أهم الخدع التى يمارسها الإسبان.. وهو إصابة الخصم بالإنهاك والملل والغضب بسبب الاستحواذ، ويعقب ذلك الاندفاع، ولعل هذا يفسر عدد الفرص التى لاحت للفريق الإسبانى فى الدقائق الأخيرة من مباراتهم مع كرواتيا.. اللعب خدعة والحرب خدعة..!