عندما يتطرق الناس في أحاديثهم اليومية إلى الخدمات الحكومية التي تقدمها الوزارات والهيئات والمصالح، دائما ما تكون الإنتاجية وتذبذب مستوى الخدمة محاور رئيسية حاضرة. والمتابع لمثل هذه الأحاديث يجد أن غالبية المواطنين لم يعد يتفاءل بتغيير حقيقي في مستوى الخدمة عند استبدال وزير بآخر أو تعيين قيادي جديد هنا أو هناك، بل إن القناعة السائدة في ذهنية المواطن هي أن «زيد أخو عبيد». إشكالية أداء القطاع الحكومي الخدمي ليست بسيطة ولا يمكن اختزالها أو التطرق لعلاج أسباب تذبذبها في هذه العجالة. ولكن يمكن تسليط الضوء على أحد الركائز الأساسية فيها وهي عقلية التغيير. ولو عدنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلا عند تعيين وزراء جدد أو قياديين في هذا القطاع فلن تخفى أحد تلك النبرة المتفائلة للقيادي الجديد عند تسنمه لمنصبه، وستجده يطلق الوعود والآراء القطعية التي توحي بأفق جديد في المنظومة التي يقودها، والنتيجة غالبا ما تكون غير مشجعة لتخف بعدها تصريحات المسئول وتتحول من الاعتراف بوجود الخلل والرغبة في التغيير إلى طلب الصبر من المواطنين وتبرير الأداء والنتائج. ستجدون بين هذه الجهات أمثلة إيجابية جدا تطور مستوى أدائها لأنها غيرت نمط تفكيرها من الجمود البيروقراطي المستسلم لحتمية البطء والتبلد إلى الأداء الخدمي التفاعلي إن منظومة التغيير برأيي تتكون أساسا من هرم أضلاعه الثلاثة هي: (1) رأس المال البشري «الكفاءات» (2) البنية التحتية للمعلومات «الأنظمة» (3) الإدارة «الرقابة». وببساطة، عقلية التغيير والتطوير في القطاع الحكومي الخدمي تعاني خللا بنيويا في هذا الهرم ناتج عن تراكم الخبرات السلبية والمقدرات البشرية غير الكفؤة والنقص في التنظيم وتوزيع الموارد. لذلك، فعلى القيادي الجديد أن يتقبل تاريخ المنظومة التي تسنمها وبالتالي أن يعي أن رأس المال البشري في منظومته هو الفيصل في نجاح رؤيته الجديدة التي يطمح من خلالها للتغيير. واعتمادا على حجم المنظومة، فإن القدرة على تطوير الكفاءات البشرية الحالية لن تكون عملية سهلة أو سريعة، وهي بالتأكيد عملية مكلفة. لذلك فإن العمل لإحلال دماء جديدة وتطوير الكفاءات القديمة يجب أن يوازيه استثمار سريع في البنية التحتية للمعلومات والتنظيم لأتممة أغلب المهام التي تتفاعل مع جمهور المواطنين، وبالتالي ستسهل عملية الرقابة التي ستتحول إلى متابعة ملخصات العمليات ومعايير القياس الأساسية للأداء. فلنقارن بين أداء وخدمات الجوازات والمرور والأحوال المدنية وكتابة العدل ووزارة العمل ووزارة التجارة والجمارك والتعليم. ستجدون بين هذه الجهات أمثلة إيجابية جدا تطور مستوى أدائها لأنها غيرت نمط تفكيرها من الجمود البيروقراطي المستسلم لحتمية البطء والتبلد إلى الأداء الخدمي التفاعلي الذي لا يرى في المواطن إلا عميلا يجب خدمته بأفضل المعايير، فيما ستجدون أمثلة أخرى في تلك الجهات لم تع هذه الحقيقة بعد ما انعكس على أدائها وصورتها الذهنية لدى المواطنين. أؤمن أن أحدا من المواطنين لا ينتظر تصاريح ووعوداً من المسئول الجديد، ما يتمناه المواطن هو تجسيد رؤية القيادة الرشيدة في تطوير الأداء الخدمي الحكومي. www.alkelabi.com twitter | @alkelabi