أكد الدكتور الشيخ عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام في مكةالمكرمة ،أن ما أحدثته المتغيرات الحضارية من نقلة نوعية في حياة الأفراد والأسر والبيوت، انعكست آثارها السلبية على كافة المستويات لاسيما في القضايا الاجتماعية. وقال: فبعد أن كانت قضايا الأمة الاجتماعية متَّسمة باليسر والسهولة انقلبت إلى صور جديدة متَّسمة بالعنت والمشقة والتعقيد، لتظهر أنماطا جديدة وظواهر خطيرة، يُخشى أن تُسهم في خلخلة النظام الاجتماعي في الأمة . وبين أن من أبرز الظواهر والسلبيات التي أذكتها المتغيرات والمستجدات تلك الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تعصف بكيان الأسر ،وتهدِّد تماسك المجتمع، حتى تقلَّصت وظائف البيت، وضعفت مسؤوليات الأسرة، وكثرت ظواهر العقوق، وتخلّى كثير من الأبناء والآباء عن أداء الحقوق، وعلت نسبة العنوسة، وكثرت المشكلات الاجتماعية، وارتفعت معدلات الطلاق، وتعددت أسباب الانحراف والجريمة والانتحار والمخدرات والمسكرات، وجنوح الأحداث وتشرّد الأطفال، والعنف العائلي، وتفككت كثير من العلاقات الاجتماعية، وضعفت أواصر الأرحام وذوو القربى، وسادت القطيعة والجفاء، وعمّ الحقد والحسد والبغضاء، وأسنِدت مهمة البيت وتربية النشء للخدم والسائقين . وحلّت ظاهرة ما يُعرف بالعزوبة والعنوسة التي يئنّ من لأوائها فئام من الشباب والفتيات. كثرة العوانس وأشار إلى أن دراسات اجتماعية معاصرة أكدت أن نسبة الإحصاءات المذهلة في بعض المجتمعات لهذه الظاهرة بلغت في مجتمع واحد مليوناً ونصف المليون من العوانس تنتظر كلُّ واحدة منهن فارس أحلامها. ومن المحتمل أن يزيد العدد خلال خمس سنوات قادمة إلى أربعة ملايين أو أكثر لو استمرت معدلات الزيادة بنفس الوتيرة. ولا شك أنه مؤشِّر مزعج ينذر بشؤم خطير وضرر كبير .. مضار عديدة وقال السديس: إن ظاهرة العنوسة في المجتمع وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج له مضاره الخطيرة وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها، سواء أكانت هذه الأخطار والآثار نفسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية وسلوكية، لا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفّرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والردى والفساد الأخلاقي إلا التحصّن بالزواج الشرعي. وذكر أنه من المؤسف أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين أو أكثر، وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج، وما انفتحت أبواب الفساد إلا لمّا وضعت العراقيل أمام الراغبين في الزواج، بل لم ينتشر الانحلال والدعارة والعلاقات المشبوهة والسفر إلى بيئات موبوءة ومستنقعات محمومة إلا بسبب تعقيد أمور الزواج. آمال وأحلام فأمّا الشباب والفتيات فبعضهم يتعلق بآمال وأحلام، وخيالات وأوهام، وطموحات ومثاليات، هي في الحقيقة من الشيطان، فبعضهم يتعلّق بحجة إكمال الدراسة، زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين ما يرومون من مواصلة التحصيل، فمتى كان الزواج عائقًا عن التحصيل العلمي؟! بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يعين على تفرّغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر، وأنس الضمير والخاطر، ونقولها بصراحة: ماذا تنفع المرأةَ بالذات ؟ شهاداتها العليا إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، وأصبحت أيِّمًا لم تسعد في حياتها بزوج وأولاد، يكونون لها زينة في الحياة، وذخرًا لها بعد الوفاة، وردّ فضيلته هذه المشكلة ومثيلاتها إلى غبش في التصور، وخلل في التفكير، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنها إفراز ضعف المعتقد، وقلّة الديانة، والخلل في الموازين، وسوء الفهم لأحكام ومقاصد الشريعة الغراء، إنه النظر المشوّش حول المستقبل، والتخوّف الذي لا مبرر له، والاعتماد على المناصب والماديات. ودعا إلى المبادرة للزواج وقال : حقًا على الشباب والفتيات أن يبادروا عمليًّا إلى الزواج متى ما تيسّر لهم أمره، وأن لا يتعلقوا بأمور مثالية، تكون حجر عثرة بينهم وبين ما ينشدون من سعادة وفلاح، ويقصدون من خير ونجاح، وأن لا يتذرّعوا بما يُعبَّر عنه بتأمين المستقبل، فالله عز وجل يقول: «وَأَنْكِحُواْ 0لأَيَٰمَىٰ مِنْكُمْ وَ0لصَّٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ 0للَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ». [النور:32]، ويقول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: (لو لم يبقَ من أجَلي إلا عشرة أيام، أعلم أني أموت في آخرها، ولي طَول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة) ، ويقول الإمام أحمد- رحمه الله-: «ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام . ليست سِلعة وبين، بأنّه وصل الأمر ببعض الأولياء إلى الجشع والطمع بأن يُعرِض ابنته سِلعة للمساومة وتجارة للمزايدة والعياذ بالله، وما درى هؤلاء المساكين أن هذا عضل وظلم وخيانة، وقد تكون مدرِّسة وموظفة فيطمع في مرتبها، ألم يعلم هؤلاء بالاعترافات والقصص الواقعية لضحايا هذه الظاهرة؟! ألم يسمعوا الرسائل المؤلمة المفجعة التي سطرتها دموع هؤلاء؟! إنها صرخة نذير في آذان الآباء والأولياء، هذه مشكلة وتحدث عن مشكلة غلاء المهور والمبالغة في الصدَّاق في بعض الأوساط، حتى صار الزواج عند بعض الناس من الأمور المستحيلة، وبلغ المهر في بعض البقاع حدًا خياليًا، لا يطاق إلا بجبال من الديون التي تُثقِل كاهلَ الزوج. إن المهر في الزواج وسيلةٌ لا غاية، وإن المغالاة فيه لها آثارٌ سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على العقلاء؛ من تعطيل الزواج، أو الزواج من مجتمعات أخرى مخالفة للمجتمعات المحافظة، مما له عواقب وخيمة،
منهج السلف وذكر طرفا من منهج السلف الصالح -رحمهم الله- يقول الفاروق -رضي الله عنه-: (ألا لا تُغالوا في صَدّاق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان النبي أولاكم بها) وقد زوج النبي رجلاً بما معه من القرآن[ وقال لرجل: ((التمس ولو خاتمًا من حديد))[ وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب وناشد أولياء الأمور بقوله : أنتم أيها الآباء والأولياء، الأمل فيكم كبير، إننا لمتفائلون كل التفاؤل أن تفتحوا قلوبكم، وتستجيبوا لما فيه صلاح أنفسكم وأبنائكم ومجتمعاتكم، وكان الله في عون العاملين المخلصين لما فيه صلاح دينهم وأمتهم.