[Decrease font] [Enlarge font] كثيراً ما كنت أمر من أمام بوابة سجن الدمام مرور الكرام .. لا أعلم ما يدور بداخله .. ولم يطرأ على بالي أن أكون يوماً من الأيام ضيفاً يتجاوز بواباته الممتلئة بالحراس, لأنقل للقارئ الكريم ما يدور في هذه الإصلاحية من قصص عجيبة ومواقف رهيبة وبرامج وأنشطة ومرافق مختلفة. اصطحبنا النقيب فهد الشيباني إلى داخل السجن بعد أن تجاوزنا بوابات التفتيش وأغلقنا جوالاتنا وتركناها لدى المسؤولين هناك حاملين معنا الكاميرا ومذكرة التدوين. أحببنا أن تكون البداية مؤثرة فاخترنا عنابر الصمت, أو ما يسمى بالعنابر الحمراء حيث يسكنها نزلاء أراد الله لهم منذ نزولهم فيها أن يشموا رائحة الموت مع كل صباح, شباب وشيوخ .. منهم من ينتظر حكم الله فيه ونزوله إلى ساحة القصاص ومنهم من ينتظر ميلاد حياته من جديد بعفو أولياء الدم. أنصح كل شاب أن يحكم عقله ولا يدع الشيطان يتمكن منه, فحياة السجون هي انتظار للموت وعذاب وتأنيب للضمير. مرزوق: انتظر القصاص كل صباح كانت البداية مع النزيل مرزوق, فهو شاب يبلغ من العمر 36سنة أراد الله له أن يكون محكوماً بالقصاص. اقتربنا من مرزوق وسلمنا عليه فأجلسنا بجواره ودار بيننا الحديث التالي: يقول مرزوق في البداية اللهم لك الحمد والشكر ولا راد لقضائك رضيت بحكمك ولم أندم على شيء في حياتي سوى على ارتكابي هذه المعصية التي استزلني الشيطان بها. يصمت مرزوق قليلاً ثم يتنهد ويقول: أمكث في هذا السجن منذ قرابة الثمانية عشر عاماً حيث دخلت السجن قبل 18عشر عاماً أي إنني إلى الآن قضيت نصف عمري في السجن, وذلك جراء ارتكابي لجريمة قتل كان الشيطان بطلها وكنت أنا وخصمي « رحمه الله «ضحاياها فقد بدأت المشكلة من ملاسنة في الحي وكانت في وقت متأخر من الليل, وتطورت إلى مضاربة عنيفة لم أتمالك نفسي في وقتها حيث توجهت إلى سيارتي وأخذت سلاحي « مسدس « وصوبته نحو خصمي فأرديته قتيلاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. هنا يتحدث إلينا مرزوق وعيناه تقاوم الدموع وذاكرته تعود به إلى مسرح الجريمة, ثم يفيق من واقعه المؤلم ليعاود الحديث معنا فيقول والله الذي لا إله إلا هو لو فكرت قليلاً وحكّمت عقلي وتعوذت من الشيطان لما حدث ما حدث, ولكن هذا حكم الله. وقال مرزوق: تجربة 18 عاماً في السجن ماذا عساها أن تختصر فأنا أتعذب كل يوم فإذا نزل صديق لنا ساحة القصاص ظننت أنني بعده وهذا العذاب النفسي يكفي! وقال مرزوق اسمحوا لي أن أرسل هذه الدموع إلى أولياء الدم وأقول لهم اشتروا بها الجنة وتذكروا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول «من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يُخيِّره من الحور ما شاء» وقال مرزوق أنصح كل شاب أن يحكم عقله ولا يدع الشيطان يتمكن منه, فحياة السجون هي انتظار للموت وعذاب وتأنيب ضمير. وقال أعيش في العنبر المثالي منذ عشر سنوات فهو العنبر الذي يحتضن المستقيمين والذين توجهوا إلى الله عز وجل, فنحن نتدارس القرآن في كل صباح ونقرأ في كتب المكتبة بشكل يومي وهذه الإمكانات أتاحتها لنا إدارة السجن حتى يتغير حال النزيل ويصبح إنساناً آخر إذا أراد الله له الحياة من جديد وإذا أراد الله إمضاء حكمه في القصاص فيكون الشاب قد أصلح ما تبقى من دنياه استعداداً لملاقاة الله عز وجل بصفحة بيضاء يملؤها الندم والتوبة. بدأ بالدخان وعمره 10 سنوات وانتهى بالحشيش شاب يبلغ من العمر 21 عاما, ترعرع في أحضان المخدرات وألفها منذ نعومة أظافره فقد كان يدخن وهو في العاشرة من العمر, ثم تطور به الأمر إلى أن تعاطى الحبوب مع زملائه في بداية المراهقة وانتهى به الأمر إلى تناول الحشيش. يقول هادي من أين أبدأ حديثي وكيف أنقل لكم معاناتي فقد نشأت في وسط يتعاطى المخدرات, فإخواني الكبار مدمنين وأقاربي كذلك مما جعلني أحذو حذوهم في التعاطي دون خوف, وكانت بوادر إخفاقي أنني تركت الدراسة وتعلقت بهذا البلاء وكنت أسعى جاهداً في الحصول عليه حتى أنني أغامر بحياتي من أجل توفيره. أما عن تفاصيل القبض عليه فيقول: تم القبض علي في قضية إطلاق النار فذهبت إلى المستشفى وتم فحص دمي ووجدوا به آثار تعاطي حشيش وتم إيداعي السجن ولا حول ولا قوة إلا بالله. يهشم وجه العامل بعصا ليستولي على الأغنام قضية ثالثة من نوع آخر بطلها وضحيتها في نفس الوقت شاب عمره 20 عاما, تعوّد على السرقة والسطو المسلح ودخل به دار الملاحظة الاجتماعية وهو لا يزال صغيراً ثم خرج, إلا أن رفقة السوء « المعززين « هم من أوقعوه في الفخ مرة ثانية, كل هذا من أجل توفير المال لشراء المخدرات .. فماذا فعل هذه المرة. يقول الشاب أحمد لا تكاد تجد مصيبة من غير رفيق سوء, وللأسف فقد كنا نسميهم « عزوة « وهم في الواقع معاول هدم لمسقبل الشباب. أحمد تحدث عن قضيته التي أدخلته السجن فقال كنا نريد أن ننفذ عملية سرقة لأحد «شبوك الأغنام» وقبل أذان فجر ذلك اليوم توجهت مع أصدقائي إلى سيارة من نوع جيب حيث قمنا بسرقتها, ومن ثم ذهبنا إلى مقر الأغنام التي ننوي السطو عليها فوجدنا هناك العامل الآسيوي الذي يحرس الأغنام, فطلبنا منه ماء فخاف وعلم أنها خطة فحاول الهرب فقمت أنا بضربه على وجهه بعصا غليظة, لتسيل على الفور دماؤه من على وجهه وقد حاول في حينها الهرب إلا أنني قمت بضربه مرة أخرى على كتفه مما أدى إلى كسر ذراعه, ومن ثم الدخول في غيبوبة حيث قمت أنا على الفور بربطه في زاوية الخيمة, وقمت بسرقة الأغنام والهروب بها لبيعها وما هي إلا لحظات حتى داهمتنا الشرطة وألقت القبض علينا لنعترف بكامل التفاصيل. ويشير احمد إلى أن الحكم الصادر بحقه, هو دفع مبلغ للعامل مقابل تنازله وأيضا رد قيمة الأغنام المسروقة والسجن قرابة الخمس سنوات.