هل يمكن أن يصبح المرء شاعراً لأن أباه شاعر ؟! هل توريث الإبداع بأنواعه مع المال للأبناء أمر مرفوض أخلاقياً أم ممكنٌ طبيعياً ؟ وهل تحفل ساحتنا الثقافية بأدباء خدمهم جاه ذويهم وسمعتهم ليكونوا ما هم عليه ؟! احتمالات متباينة تضمنتها مشاركات مثقفين كان لبعضهم أبناء يسعون إلى إكسابهم ما يتمتعون به من موهبة، فكيف ينظر هؤلاء إلى توارث الإبداع ؟ فإلى التفاصيل: الإبداع لا يورث الشاعر جاسم الصحيح، الذي نشأ له ولد يكتب الشعر، رأى أنّ توارث الإبداع غير ممكن لأنه «موهبة ذاتية أولاً، لكن قد يكون الأب شاعراً عاملاً مساعداً ومشجعاً، لكن التشجيع لا يغني عن الإبداع وليس بديلاً عنه، وهذا ما حدث فلم يخرج من أبنائي سوى واحد يحبّ الشعر، وبعض أولادي ليس لهم علاقة بالكتاب أصلاً». ويضيف «أنا أيضاً شاهد آخر على أن الإبداع لا يورّث. فقد نشأت في أسرة لا أحد منها يقرأ ويكتب». وحول ما إذا كان قد سعى لتوريث الشعر لابنه قال : «العلماء يمكن أن تكون لديهم الرغبة في توريث العلم. أما الشعر الحقيقي فهو صدام مع المجتمع لا أحد يتمناه لابنه» مستشهداً بشاعر أمريكي شهير حين علم بأنّ ابنه يكتب الشعر أرسل له قائلاً : «أهلا بك في الجحيم». وحول ما إذا كان الحضور القوي للشاعر في الساحة يفيد الابن قال : «حضور الأب القوي يقتل الابن المبدع لأنّ حضور الأب يكتسحه» ممثلاً في الموسيقار محمد عبد الوهاب حيث يقال: إن له أخا لا يقل عنه إبداعاً، إلا أن مكانة عبد الوهاب حجبته عن الظهور.
جينات شعرية الناقد عبد المحسن القحطاني رأى بخلاف الصحيّح تماماً أنّ الإبداع يمكن توارثه، لكنه بحاجة للصقل بالتعليم، وإلا فإنها ستكون موهبة على مستوى شعبي، مبيناً أنّ الشاعر الشعبي يمكن أن يصبح شاعراً فصيحاً إذا تعلّم. ولفت القحطاني إلى أنّ التاريخ «يشهد بأسر يتناسل منها الشعراء، فهي جينات شعرية، وقد يكون الابن موهوباً، لكنه لا يحفل بهذه الموهبة ولا ينميها، فإذا لم يكن الشاعر متعلماً فسيصبح شعبياً». ويرفض القحطاني توريث المكانة الأدبية الاجتماعية للأبناء قائلاً : «المكانة الأدبية نوع من المعرفة والعلم، وليست إرثاً، بل تعبٌ ومشقةٌ وكسبٌ، ولا يمكن وراثته، والتعلّم يصقل الموهبة، وإلا سيبقى موهوباً بسيطاً، مثل مغنٍ لم يزك موهبته بالعلم». تزييف الوعي أما القاص أحمد العلي فقد شجّع ابنته على كتابة القصة، لكن بعد أن بدأت تهتمّ بالقصة في المرحلة الثانوية فوفّر لها القصص وشجعها على الكتابة وناقش معها ما تكتب، غير أنه قال: إنه لم يكن ليشجّعها لو لم يظهر عليها الاهتمام أولاً، وأضاف أنه يعتقد أن الكتابة الأدبية مهارة والمهارات يمكن أن تتوارث عبر ما يسمّى ذاكرة الخلايا، وقد ثبت علمياً أنها المسؤولة عن توارث بعض الأمراض، «فالقابلية لقول الشعر مثلاً يمكن أن تنتقل بين الأجيال وتكون موجودة، لكنها لا تتفعل إلا في ظروف معينة تحفزها للعمل كالتوجيه أو الرغبة». وختم العلي منتقداً الدور الذي يلعبه المال والجاه في إبراز عدد من الكتاب غير ذوي الكفاءة « لاسيما في مجال الرواية، حيث يتم تناولها إعلاميا والكتابة عنها نقدياً لا لقيمتها الفنية، بل لما يمتلكه صاحبها من مال وجاه وعلاقات، وهو أمر يمكن أن يورّثه لأبنائه. كما يمكن أن يرث المجتمع بأكمله نوع من الأدب الرئيء الذي روج له على أنه أدب جيّد، أليس هذا تزييفاً للوعي؟!». قدوة حسنة الإعلامي فؤاد نصر الله قال: إنّ فكرة التوريث تنطلق من وجود حالة الاقتداء ب «قدوة الحسنة» تتمثل في الأب أو الأم، فمن الطبيعي أن يؤثرا في ذهن الطفل ومكتسباته وممارساته، وهذا ينطبق على جميع المجالات بما فيها الأدب والثقافة، لكن يفترض أن تكون الوراثة قسرية إجبارية. وحول توارث المكانة الأدبية كحالة من الوجاهة الاجتماعية قال نصر الله : « أعتقد أن الثقافة الحرة لا تصلح أن تكون للوجاهة الاجتماعية، وعلينا كمجتمع وكمثقفين أن نشيع الثقافة بحيث تصبح زاداً يومياً يتناوله كل فرد كما يتناول غذاءه وشرابه». ولم يجد نصر الله من أبنائه من يسير على ذات الطريق سوى ابنته أمل التي صارت تعمل مؤخراً في الإعلام الثقافي من خلال مجلته (الخط).