الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل شخصية مثيرة للجدل والسجال الفكري في الكثير من القضايا والأطروحات التي يكتبها شعراً أو نثراً في مقالاته العديدة، إذ يرى أن عبدالله القصيمي ظاهرة هامشية ولم يأتِ بجديد ويقول لو أنه رجع عن عناده فربما كان من أكبر فلاسفة الشرق والغرب، ويرى أن القصيدة العمودية تستوعب مجريات الحداثة على رغم دعاوى الحداثيين الباطلة بأنها تقف عاجزة عن التطور، ويفتخر بمشاركته في مهرجان الشعر العالمي مع الشاعر اليهودي أهارون شبتاي مبرراً إعجابه بهذا الشاعر ومواقفه الشجاعة، ويرد على مزاعم الحاقدين بأنه اشترى منديل أم كلثوم بخمسة ملايين ريال أنها مزاعم باطلة، كما يوضح أننا أخذنا الحداثة وطبقناها على الأدب والشعر فقط، والحداثة الغربية اهتمت بالأدب والعلوم التجريبية التي قدمت لنا الابتكارات العلمية المذهلة، ويستنكر على بعض المثقفين تفتيت معالم الشعر بالتنظيرات الغربية التي تحاول هدم شكل الشعر العربي الفصيح. هاجمك بعضهم لمشاركتك مع الشاعر اليهودي أهارون شبتاي في مهرجان الشعر العالمي في كولومبيا الذي حضره 84 شاعراً من مختلف دول العالم... فما تعليقكم؟ - سعدت بشرف المشاركة في هذا المهرجان، وقابلت رئيس كولومبيا ألفارو أوربيي فيليز الذي طلب مقابلتي بعد أن نقلت قصيدتي له «قلائد الشمس» وهنأني عليها وعلى معانيها والرسالة التي توصلها إلى مثقفي أميركا. أما انتقادي ومحاولة النيل مني شخصياً من أجل المشاركة مع شاعر يهودي فأنا أعتبرها فخراً لي، فالشاعر أهارون شبتاي يصب جام غضبه على إسرائيل والصهيونية العالمية وينعتها بأنها دولة نازية وفاشية لا تحترم آدمية الإنسان ولا تسعى إلى السلام، ذلك الشاعر تعرّض لمحاولة الاغتيال من «الموساد» الإسرائيلي وهو يعيش في منفاه الاختياري في أمستردام مناهضاً لكل السياسة الإسرائيلية، ألا يستحق الاحترام منا جميعاً؟ اختلف الكثيرون في موضوع «حوار الحضارات أم صراع الحضارات»... فمع أي الرأيين أنت ولماذا؟ - حوار الحضارات، أو صراع الحضارات الذي عمد إليه بعض المنظِّرين الغربيين أو الأميركيين مثل هنتغتون لم يحالفه الصواب، إذ إنه استعمل كلمة صراع والصراع كلمة تعني التخاصم والحرب ووجود غالب ومغلوب ولا تؤدي المعنى الفكري الذي ربما كان يريده هنتغتون. فلو قال منافسة الحضارات أو حوار الأديان أو حوار الثقافات لكان هذا أعم وأجدى للفكر الإنساني، ثم إذا أمعنت النظر في كلمة حضارات فقد جمع الحضارات الزمانية والمكانية في حين أنه لا يوجد في هذا العصر إلا حضارة واحدة هي الحضارة الغربية الأميركية التي حققت الإعجاز العلمي في الذرة، والفضاء، والتقنيات الحديثة، فإذا قصدوا الحضارات القديمة في شمولية أو تراتُبية زمانية ومكانية فليس ثمة مقارنة بين الحضارات البائدة وحضارة هذا العصر إذ إننا نعيش في ظل حضارة واحدة لا يوجد لها منافس وهي الحضارة الغربية الأميركية. لذلك فأنا أقول «بحوار الأديان» أو «حوار الثقافات» بدل «حوار الحضارات» أو «صراع الحضارات»، وذلك لكي نخلق التنافس والمعرفة والتقارب الفكري وتلاقح الثقافات لا صراعها بعضها مع بعض، لتكون للبناء والارتقاء وليس للهدم والسقوط وتغليب ثقافة على أخرى، وإنما لتكون امتداداً لثقافات الأمم عبر العصور والحقب إلى هذا العصر. أنت مهموم بقضايا الوطن العربي ويتضح ذلك في شعرك مثل قصيدة «ميلاد النهاية» و»هدام العروبة» و»التمثال»... فيكف يصبح الشاعر مرآة لوطنه وأمته؟ - ما يوجعني ويقضُّ راحتي هو هذا الواقع العربي الذي يُخيّم عليه كثير من الضباب والظلام، والذي تئنُّ أوصال جسْمه الواحد من آلام شتى ما زالت تعتصر القلوب الشاعرة بالانتماء للدم والعرق والأصل والهوية العربية والإسلامية من دون تفريق بين أجناسها أو أوطانها. والشاعر يكون مرآة لوطنه إذا تفاعل مع واقعها وجسَّد آلامها وأوجاعها وأفراحها وأتراحها بصدقٍ وحَقٍّ، وحاول أن يتجاوز بها عن هذه المحن ببثِّ الوعي ووضع الرؤى المُحقِّقة للخروج من هذه الأزمات بما يُسكِّن الرَّوعَ ويطمئن على المصير، ويُحيي العزائم، ويسهم في صنع القرار الوطني والشعبي بما يُحقِّق النظرة العالية للحياة بنفسيات صحيحة غير عليلة بآهات وحروق الحروب التي أدمت أمتنا العربية والإسلامية. تدجين الشعر العربي برأيك... لماذا انصرف الجمهور حالياً عن الشعر؟ - انصراف الجمهور عن الشِّعر الفصيح يرجع إلى أسباب عدة منها: عدم إتقان لغة القرآن وهي اللغة العربية الفصحى، وعدم الاستدامه في قراءة الشعر عبر أجياله وعصوره، إضافة إلى تشجيع انتشار الشعر النبطي، وما يُسمى بقصيدة النثر، والأهم في ذلك مع الأسف محاولة بعض المثقفين في تفتيت معالم الشعر بالتنظيرات الغربية التي تحاول هدم شكل الشعر العربي الفصيح لتكون الثقافة الشعرية مرتبطة بما يُصدَّر إلينا من الغرب لنظل مستوردين للشعر الغربي كما نستورد حاجتنا الضرورية والكمالية حتى يسهل تدجيننا والسيطرة علينا علمياً وأدبياً وتضيع الهوية العربية لتذوب في ثقافة الأجنبي وإحْكَامُ قبضتها على الثقافة العربية بالعكوف على تراث الغرب من خلال الإغراءات التي تدعو إلى الحريَّة والشيوعية الجنسية عبر ما يُبث إلينا في القنوات الفضائية أو في مواقع الإنترنت الذي لم نحسن استخدامه. والمصيبة الأكبر فيمن يتولون قيادة الصحافة الأدبية حين حاولوا أن يكونوا شعراء فلم تُسعفهم الموهبة فقعدوا بالمرصاد للشعر العربي الفصيح. بماذا تفسر اتجاه عدد كبير من جيل الشباب لكتابة الرواية ولا سيما النساء السعوديات؟ وهل أصبحنا نعيش عصر الرواية لا عصر الشعر؟ - لا ضير أن تشتعل كل الفنون في سماء الفكر والمعرفة سواء الرواية أم الرسم أم النّحت، وهذا يُعطي انطباعاً على حضارة ووعي الزمان الذي لا يُفرق في العلوم والفنون بين رجلٍ وامرأة، كما لا يستطيع فن أن يطغى على الآخر فكلّ له مُبدعوه ومُتذوقوه وهذه تمثل ظاهرة صحية. الصراعات والحداثة في الثمانينات الميلادية كان الصراع شديداً بين الحداثيين والتقليديين والآن نرى الصراع محتدماً بين الإسلاميين والليبراليين فكيف ترى ذلك؟ - الاختلاف ظاهرة صحية إذا امتثل للعقلانية، واعتمد على مُنازلة الفكر بالفكر ومُقارعة الحجة بالحجة، والرضا والقبول من عدمه هو تحدي الأجيال السابقة للمتعاقبة وهكذا دواليك وإلاَّ لما تَطوّر الفكر الإنساني ولما أخذ هذا النصيب الأوفى من التّقدم في جميع المجالات التي يشهدها الواقع الإنساني المعاصر في هذا العصر المعجز. ما تراه أنت حداثة اليوم هو تقليد في الغد، وإذا رأينا الحداثة في الغرب قد عملت عملها وأضاءت ما حولها فلأنَّ الفكر الغربي وصل إلى مساحات شاسعة من التحرر الفكري الذي كان حبيساً في سجون الكنيسة واللاهوت، وصاحبت ذلك التحرر تضحيات كثيرة وكبيرة نجحت في التغيير الذي أحدث نقلة للفكر للبحث والتجريب، والاستقصاء والتلاقح، لدخول عوالم المعرفة ولم يأخذ الحداثة من جانب من دون بقية الجوانب ولا في مادة من دون بقية المواد ولا في شكل من دون بقية الأشكال، فقد كانت الحداثة الغربية تمثل رؤية كُلية متعددة الأهداف والأغراض ليس كما أخذناها نحن وطبقناها على الأدب والشعر من دون بقية العلوم. ولمن برأيك تكون الغلبة في هذا الصراع؟ - قضية الصراع بين الإسلاميين والليبراليين قضية محسومة فالغلبة فيها للإسلاميين لتغلغل المعتقد الديني ورفضه للمتغيرات التي تُبنى على التحرّر والتحلل من القيم الإسلامية وهذا سبب الاختلاف الذي يؤكد أن حرية العقل لا تندرج على الثوابت الدينية ولا يمكن قبولها في أُمةٌ جُلُّها تدين بالدين الإسلامي وستظل فكرة التحرّر من ثوابت الدين هاجس بعض العقول وستظل منعة وقوة الإسلام والإسلاميين حائلاً دون تحقيق المبادئ الليبرالية وانحسار مد الليبراليين، الذين يجدفون عكس التيار. ادونيس.. ليس شاعراً قلت إن أدونيس ليس شاعراً إلا في ديوان واحد من دواوينه الشعرية فما هذا الديوان؟ وهل يستحق أدونيس كل هذه الهالة التي يحيط نفسه بها؟ - نعم وأصرّ على أنَّ أدونيس ليس شاعراً إلا في ديوانه «ما قالت الأرض» الذي يتبرأ منه والذي هو مدعاة فخره لو أراد فخراً. أما هذه الهالة التي أخذها أدونيس فهو بتعريضه بالدين من باب خالف تُعرف قد سبقه عبدالله القصيمي، وكان أكثر جدية فلم يجن إلا ثبوراً. وما زعمه من شعر مستورد لا يمت إلى الواقع العربي بصلة ويَمُجُّهُ الذوق العربي السليم، فدعه في غيِّه يأخذ وقته كغيره وتطويه أشرعة النسيان. من وجهة نظرك ترى أن محمود درويش أخذ أكثر من حجمه وأن هناك شعراء أكثر منه شاعرية كسميح القاسم مثلاً.. نأمل تسليط الضوء على ذلك؟ - بالفعل محمود درويش لم يولد شاعراً حتى ولو أنني رثيتهُ بعد موته من باب أنه مسلم، ولولا أنه ينتمي للسلطة الفلسطينية التي لعب الجانب السياسي في تلميعه حين احتضنه الرئيس ياسر عرفات - رحمه الله - الذي كان يحبه كثيراً فلن تجد لشعره وجوداً. ولو قلت من الشاعر الفلسطيني المبدع حقاً؟ لقلت لك هارون هاشم رشيد شاعر الثورة الفلسطينية، أو سميح القاسم لأنك عند قراءتهما ستكتشف الموهبة الشعرية والطبع المُلْهِم لأفكار الشعر وهذه الحقيقة، ولو قرأت المعجم اللغوي في كُتب درويش لا تجدها تخرج عن القهوة والنبيذ، والرفيقة، والكأس، كلمات ساقطة وتعابير سردية ليس فيها روح الشعر، ولكن كما قال السوداني «مشِّي يا زول» ما دام أننا نعيش عصر الهزائم العربية فكل شيء جائز ومباح حتى ولو قلت الفأر أصبح أسداً «وكله ماشي في عصر المواشي». تكتبون القصيدة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة... فما ردكم على من يدّعي أن الشعر العمودي لا يستوعب مجريات الحداثة وأحداث العصر؟ - إن مفهوم الحداثة في فكرنا العربي قاصر عن فهم معنى الحداثة الغربية. نحن نأخذ بالتنظير الحداثي ونطبقه على الأدب والشعر فقط، والحداثة الغربية اهتمت بالأدب والعلوم التجريبية التي قدمت هذه الابتكارات العلمية التي نعيشها اليوم، ونحن أخذنا منهم ذيل الحداثة وتركنا الجسم والقلب والعقل المشتمل على الكليات التي عنت إليها النظرية الحداثية، لذلك ما زلنا نتقوقع داخل مفهوم جَسَّدته وفَصَّلته بعض العقليات على مقاس العقل العربي. ووجدت أن العقل العربي المعاصر جُل اهتماماته ينحصر في الشعر والأدب والبلاغة اللغوية، لا تطبيق الحداثة لتكون شمولية على سائر العلوم والفنون التي ارتقت بها الأمم التي صنعت حضارة هذا العصر بهذه الثورة الهائلة من المخترعات والمبتكرات العلمية، وسجلت تاريخها واسمها في ذاكرة المستقبل بأحرف من نور، لذلك رُحنا نرمي أعذارنا وعللنا وتقاعسنا على الشعر والأدب، وجئنا على أنفسنا ببهتان عظيم حين قعدنا بالمرصاد لكل فكر خلاَّق لِنَصِمَهُ بالتقليد والكلاسيكية، والرجعية، ولم نكن بقدر معطيات الزمان والمكان الذي نهيم فيه على وجوهنا. معنى ذلك أنك تؤكد أن القصيدة العمودية تستوعب مجريات العصر؟ - نعم، فالشعر العمودي هو الشعر المتعارف عليه منذ امرئ القيس وهو ما عناه القرآن الكريم، ولم يكن هناك ما يُسمى بقصيدة نثر أو شعر تفعيله وها أنت اليوم تُردِّد لفحول الشعراء أبياتاً خالدة عفى التاريخ على قائليها وما زالت مُدوية، ولكن قلِّى بيتاً واحداً يُردَّدُ للشعر المعاصر بعد شوقي رحمه الله، ثم عليك بالاستدلال بقصيدة أو بيت شعري يعتبر مثالاً حياً لوجود هذا الشعر في ذاكرة الأجيال. إذاً علينا بأن نكون صادقين مع أنفسنا بأنَّ المقاييس الأدبية والشعرية التي نقيس بها إبداعنا العربي لا تقوم على حقيقة تمجيد الفن بعامة، بل إلى التبعية الغربية وهدم مكامن الإبداعات العربية تَشدقاً وركوباً على الشهرة القسرية لمن يدعون التقدمية والحداثة، حتى إنك تشتم روائحهم الكريهة ويدَّعون الحداثة ولم يستفيدوا من أبسط معطياتها وهى العطور ليزيلوا تلك الروائح النتنة من أجسادهم ولا يستعملون معجون الأسنان لتنظيف روائح أفواههم الكريهة، وتقول لي حداثة عن أي حداثة يتكلم هؤلاء وهم لم يكونوا في يوم من الأيام من صُناعها ومبدعيها، وإنما هم يركبون على عقول الدَّهماء والبُسطاء والأميين بمقولات ومزاعم للإغراء في حين أنهَّم أتفه مما يتصور العقل الواعي. الغوغائية والفوضى العربية يُتّهم شعراء الحداثة بأنهم يكتبون نصاً واحداً... فما تعليقكم؟ - عندما تكون أحد المشاركين في صناعة التاريخ الحداثي ساعتئذٍ يكون لك الحق في التحدث عن ذلك، أما أن تكون ببغاء وبوقاً لأفكار وإبداعات مستوردة فعليك أن تصمت وتخجل من نفسك لأنك ما زلت تحبو في مجاهل الغوغائية والفوضى العربية المعاصرة التي كانت من أهم أسباب هذه الهزائم النفسية والوطنية على الأصعدة كافة. نحن نحتضر فكرياً وعندما يولد جيل عربي جديد يعرف قيمة الإبداع والعمل والجهاد النفسي والعكوف على الاهتمام بالقيمة الإنسانية والوطنية عندها نستطيع أن نتحدث وأن نقول نحن شعوب صانعة لإبداعاتها ومقدَّراتها ونؤثّر في مكونات العالم العلمية والثقافية. فعلينا أولاً أن نستوعب المعنى العام للحداثة، ثم نتحدث عن معنى الحداثة في الشعر العربي، وإذا قرأت جوابي ستدرك الأبعاد الحقيقية لدعاوى المتطفلين على الحداثة الذين وصفهم ناقد الحداثة (محيي الدين اللاذقاتي) بشعراء «السردين» الذين لا تستطيع أن تميز واحداً منهم عن الآخر فجميعهم يكتبون نصاً واحداً، وهذا يدلل على غباء المفهوم الذي يقوم على التبعية المصطَنعَة وليس المُصطَنِعِة لأقدارها ومقدّراتها. كيف تنظرون إلى دور الصالونات الأدبية في المملكة ولا سيما أن لديكم صالوناً؟ وماذا أضافت هذه الصالونات للمشهد الثقافي السعودي؟ - صالون الشيخ محمد صالح باشراحيل هو امتداد لفكرة والدي - رحمه الله - الذي أسسه في حياته بمكة المكرمة، وكان من أوائل الصوالين أو المنتديات الأدبية والثقافية في المملكة على الأصح، وقد احتفى هذا المنتدى بالكثير من الوجوه الأدبية والثقافية والعلمية منذ نشأته وحتى الآن، وهو يؤدي دوراً ريادياً في تكريم الرواد والمبدعين وأصحاب الفكر. إن مثل هذه المنتديات الثقافية تُعد من أهم الإضافات التنويرية في حياة الأُمم والأوطان التي تهتم بالقدرات الإبداعية، وإظهارها لتكون رافداً حيوياً في إشعال مواقد الفكر الخلاق الذي يأخذ بطموحات الأجيال نحو ما يحقق التواصل في مختلف العلوم الإنسانية، بعيداً عن الحجر على انطلاقات العقول وموانع الرقباء، ومكامن الخوف والنفاق، ليمثل أقوى دعائم التحرر الفكري المحفز للارتقاء، ولقد كانت وما زالت أدوار هذه المنتديات أهم موارد ومناهل العطاء الذي أسهم في تبني القدرات الموهوبة والتي تسعى إلى تقدير العلم وأهله وأربابه. لكم جائزة أدبية معروفة تحمل اسم الشيخ «محمد صالح باشراحيل للثقافة والإبداع»... فما الدور الذي قامت به، وكيف ترون وضع الجوائز العربية الآن؟ - جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل هي من الجوائز التي قدمت رواد فكرنا العربي من دون تمييز والذين كادت تطبق عليهم مسحة من الإحباط، فكان دورها الاعتراف بتلك القمم المعرفية في مختلف مجالاتها الأدبية والعلمية، وتكريمهم حتى لا يَصِمُنا التاريخ بالجحود والنكران تجاه من قدّموا عصارة فكرهم وزهور أعمارهم للأمم. ولذلك كانت فكرة هذه الجائزة التي أسهمت بالعطاء المادي والتقدير المعنوي لإذكاء روح التواصل الثقافي بين الأمم، وجائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل - رحمه الله - قدمت الكثير من الرواد وقدمت لهم ما يستحقون وما زالت ماضية في أهدافها. ومثل هذه الجوائز أقل ما يمكن أن يناله المفكر والمبدع في هذا العالم نظير جهده وتفوقه في السعي إلى خير الإنسان والارتفاع به إلى تحقيق الطموحات المتواصلة، والتقدير والاعتراف من الأوطان والإنسان أهم ما يُقدم لرفع واستمرار حضارة الإنسان. الجوائز العربية يقال إن الجوائز العربية تعطي وجاهة لأصحابها ومكانة أدبية رفيعة... فهل تستمدون مكانتكم الأدبية من الجائزة أم من إبداعكم وحضوركم الإبداعي؟ - الذي يصنع القيمة والقدر ليس الوجاهة المكذوبة المزيفة، ولا العطاء المالي المبني على أغراض خاصة، فأي وجاهة ننتظر؟ ونحن قد بذرنا بذور الحب لكلِّ من أبدع وأسهم في تنمية الفكر الإنساني، وهل كانت الوجاهة عاراً على أصحابها؟. ومن منا لا يريد أن يكون وجيهاً بحق وعلم وفكر؟ كلٌ يسعى في حياته لأن يضع بصمة على كتاب الزمان ليترك الأثر والتأثير الذي يُخلّد ذكراه على خريطة الزمان والمكان وهذه سُنة الكون، والذي لا يريد طيب الذكر وتخليد الأثر فهو غير سوي، لأنه خرج عن ناموس التكوين الإنساني حتى القرآن الكريم يشير في هذه الآية الكريمة في قول سبحانه: (وما الحياة الدنيا إلاّ لعبٌ ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد). ولكنني لم أنل ذيوع الصيت من هذه الجائزة، وإنما مثار فخري هو إبداعي الأدبي والشعري الذي تجاوز 24 ديوانا وكتاباً في شتي الاتجاهات الشعرية، وقد كتب عنها سدنة الفكر الأدبي ونقاده الكبار وأعطوها حقها من النقد والثناء من الملوك والرؤساء والقراء، ولا سيما الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه الرئيس الجزائري الذي كتب مقدمة ديواني وحشة الروح الذي كان محل رضى نفسي والذي عليه بنيت فكرة تقديم هذه الجائزة احتفاءً بالعلم وأربابه والأدب وأهله ومبدعيه. معنى ذلك أن الشهرة أتتك قبل تأسيس الجائزة؟ - الشهرة والوجاهة قد اكتسبتُهما قبل تفكيري في الجائزة ولم تكن الجائزة التي نقدمها لتضفي عليّ وجاهة أنتظرُها بل هي ألم مادي ومعنوي تجاه تحمّل وجبات إضافية تجاه الفكر والثقافة، فأي وجاهة نلتها من هذه الجائزة؟ وأنا قد حظيت بوجاهتي من سابق في أكثر من مجال إنساني ولم تبخل نفسي ولا يدي عن العطاء في مختلف الجوانب الإنسانية عبر الجمعيات الخيرية، والتبرعات الإنسانية في الاتجاهات الصحية والإنمائية، بل إن ما نلته لم يكن بقدر العطاء الذي قدمته وأقدمه. ولولا إيماني بأن الحياة هي إيثار قبل كل شيء من دون انتظار الشكر والتقدير إلا من الله ثم التاريخ المنصف لما قدمت ولما عملت كل ما عملته خالصاً لوجه الله ثم لوجه الفن والإبداع، وولا سيما وأمتنا العربية تأتي في الدرجة الأخيرة من إعطاء الكفاءات، والإبداعات حقها وتقدير أصحابها لما يعتمر النفوس من الجحود والنكران، وبدل أن ينال الإنسان الشكر والتقدير على حسن الصنيع، إذا به يلقى هذا القدر من التنكر لعطاءته بل واتهامه بالسعي لوجاهة، (وسَلِّم لي على الوجاهة العربية المؤودة في زمانها ومكانها). جَرَتِ العادة في وطننا العربي على تكريم الأدباء العرب بعد وفاتهم... فلماذا لا يُكَرَّمون وهم أحياء؟ وهل يختلف الوضع في السعودية؟ - نعم هذا سؤالٌ حريُّ بالتّقدير والاحترام وأنا أسأله أيضاً، فماذا يفيد تكريم الأموات وهم لا يشعرون؟ ولا يختلف الوضع في السعودية عن سائر الأوطان العربية وكما قال الشاعر: ومن مُخبري من جانب القبر أننَّي؟ أُمَجَّدُ في أسفارهم واُكَرَّمُ. الفراعنة وأم كلثوم اتهمك الشاعر ناصر الفراعنة بأنك اشتريت منديل أم كلثوم بخمسة ملايين ريال... فما تعليقكم؟ - إذا اتهمني معدوم الذكر بأنني اشتريت منديل أُم كلثوم بخمسة أو بعشرة أو عشرين مليون ريال، فلماذا لم يثبت شرائي للمنديل عندما تحديته ووضعت مكافأة عشرة ملايين لمن يُثبت هذا الشراء، وإذا اُتهمت أنا فلنا في رسول الله أسوة حسنة حين أُتهم بأنه شاعر، وساحر، فهذه طبيعة المنافقين الذين ليس لهم قيمة ولا هدف في الحياة إلا الحقد على النابهين، والملهمين، والناجحين، وقد قيل كل ذي نعمة محسود، وما ظَنك بشخصٍ يَدَّعِي بأنه شاعر الثَّقلين إلاَّ أن نشفق عليه ونودعه «شهار» بالطائف. طبع لكم مختارات من شعركم باللغة الفرنسية... فكيف تنظرون إلى ترجمة الأدب عامة والشعر خاصة؟ وهل ترجمة الأدب خيانة للنص؟ - صحيح أن ترجمة الشعر على الأخص والأدب خيانة للنص لمن لا يكون أصلاً مُتقناً للغة المراد الترجمة إليها، ولكن بقدر الإمكان حاولنا الترجمة واستطعنا إيصال أفكارنا وإن قلَّت المعيارية الفنية إنما استطعت أن أُوصل الفكرة، وان أصل بأدبي وشعري إلى اللغات الحية في العالم المتطلّع إلى المعرفة، وأعتقد بأن الترجمة مهمة في حياة الأمم للتواصل وخَلق الأثر والتأثير. عبر التاريخ البشري شاهدنا فلاسفة ومؤرخين عظاماً... فلماذا لم نجد امرأة فيلسوفة؟ - يكاد التاريخ الإنساني يكون عقيماً في الفلسفة النسائية، ولو أنني أعتقد بأنه لا يمكن أن يعقم من الفلسفة النسائية ولكن ربما كان التاريخ ضنيناً بخلود ذكرهم وأعتبر أن أسماء بنت أبي بكر لو قدُّر لها الانخراط في العلوم الفلسفية لكانت من أوائل الفلاسفة النساء، أو الخنساء.