لم يعد قارئ العصر تلميذا لدى كتاب الصحف التي يقرؤها، لم يعد المفضول بإزاء من يفترضون أنهم الأفضل علما وثقافة ومعرفة، لم يعد الأسفنجة التي تمتص كل ما يُلقى إليها، وإن ارتضى البعض التموضع في خانة التلقي الفج، قارئ العصر ذكي يعرف نفسه، فهل يعرف بعض الكتاب الأغبياء أنهم أغبياء ؟! طالعوا تعليقات القراء على مقالات الكُتاب وستجدون ما يسركم: ثقة في النفس، جرأة في الطرح، إخصاب فكري يثري الموضوع، ووعي مُحصن ضد الأفكار الساذجة، في إحدى صحفنا اليومية كتب أحد (الأذكياء) موضوعا بعنوان:»الإنجليزية لغة العصر» قرأت المقال فقدرت أن الكاتب أحد المعجبين بالإنجليزية، وهذا أمر طبيعي، وبالتالي من حقه أن يمدح ما أعجب به، ولكن هل من حقه أن يستخف بعقول القراء، وهل من حقه أن يفترض فيهم السذاجة ليمرر عليهم خداعه، مقال صاحبنا تضمن فكرة واحدة مفادها: إن الإنجليزية لغة العصر، ولغة العلم، والاقتصاد، والتقنية، وبدونها لا يمكن تحقيق أي نجاح أو تميز ؟! ولم ينس كاتبنا (الذكي) لفرط ألمعيته أن يذيل مقالته بوصفه نائب مدير شركة لتعليم اللغة الإنجليزية، وهو ما استدعى توجس القراء من النفس الدعائي لمضمون المقالة، فأشار أحدهم إلى عامل القوة التي تجعل القوي يفرض لغته، وضرب مثلا بكوريا التي تطورت بلغتها لا بلغة سواها، وهو بطبيعة الحال يشير إلى ذات العامل الذي جعل بريطانيا تفرض الإنجليزية في (مستعمراتها)، إلى أن خلفتها أمريكا وهي تتمتع بذات النفوذ، ولو كان الإنجليز والأمريكان يتكلمون السواحلية مثلا لوجدنا السواحلية هي اللغة الأشهر وليس الإنجليزية ! طالعوا تعليقات القراء على مقالات الكُتاب وستجدون ما يسركم: ثقة في النفس، جرأة في الطرح، إخصاب فكري يثري الموضوع، ووعي مُحصن ضد الأفكار الساذجة، آخر علق على المقال فقال: أكثر الدول تقدما في التقنية (اليابان)، وتقدمها كان ولا يزال بلغتها الوطنية لا بلغة غيرها، وأعرق الدول في الصناعات الثقيلة (ألمانيا) وأهلها لا يتحدثون الإنجليزية، والفرنسيون اشتهروا بثقافتهم وآدابهم وفكرهم وهم لا يتحدثون الإنجليزية، و(الصينية) أكثر لغة يتحدث بها شعب أذهل العالم بتطور صناعاته ونمو اقتصاده، وتطوره لم يكن إلا بلغته وليس بالإنجليزية ! يقول برنارد شو: الأمريكي الأبيض ينحط بالزنجي إلى مستوى ماسح أحذية ثم يفترض أنه لا يصلح إلا لمسح الأحذية، وكذلك نحن مع لغتنا العربية ننحط بها لأدنى مستوى ومن ثم نفترض أنها لا تصلح لشيء، وأن الإنجليزية هي لغة العلم والحضارة والتقنية !