قديمًا قال الجاحظ إن الشعر لا يترجم، أو أنه غير قابل للترجمة، وحديثًا قال الشاعر الأمريكي روبرت فروست إن الشعر هو ما يضيع في الترجمة.. غير أننا نعرف وندرك جميعًا أن ترجمة الشعر أمر لا مفر منه، بل إنه يغدو حاجة ملحّة إذا ما أردنا أن نطلع على الشعر المكتوب بلغات العالم العديدة. ومما لا ريب فيه أن ترجمة الشعر أمر شائك وبالغ الصعوبة، وهو أكثر صعوبة من ترجمة النثر بما لا يُقاس، وعلى الأرجح أن ترجمة الشعر بحاجةٍ إلى أن تتم على يدي شاعر لكي تحظى بشيء من النجاح. هذه المقدّمة التي لم آت فيها بجديد بالنسبة للكثير من القراء كما أرجّح، سُقتها تمهيدًا للحديث عن ترجمة شعرية لعمل شعري ضخم «ليس من حيث الحجم» وبالغ الشهرة هو سونيتات شكسبير، وقد قام بها شاعر وعلَم من أعلام النقد الحديث هو الدكتور كمال أبو ديب. إن الشكل الشعري المعروف بالسونيت إنما هو في أصله وفي جذوره التاريخية العميقة ليس إلا إحدى صور الموشحات العربية التي كانت شائعة في الأندلس وفي صقلية. وقبل الترجمة دبج أبو ديب مقدِّمة طويلة حاول فيها جاهدًا أن يثبت أن الشكل الشعري المعروف بالسونيت إنما هو في أصله وفي جذوره التاريخية العميقة ليس إلا إحدى صور الموشّحات العربية التي كانت شائعة في الأندلس وفي صقلية، حتى أنه ذهب إلى إطلاق اسم رديف للسونيتات هو التواشيح. أبو ديب بالطبع ليس أول مَن ترجم سونيتات شكسبير فقد سبقه إلى ذلك جبرا إبراهيم جبرا «المترجم الأشهر لمسرحيات شكسبير» والذي لم يترجمها كاملة والذي نال قسطًا وافرًا من مديح أبو ديب له. أما مَن ترجمها كاملة فهو الشاعر المصري بدر توفيق سنة 1988م، غير أن «أبو ديب» تجاهل تلك الترجمة تجاهلًا تامًاً لسبب لا يعرفه إلا هو. ترجم أبو ديب السونيتات كاملة بالصيغة النثرية كما فعل بدر توفيق وقد حالفه التوفيق كثيرًا، إلا أنه كما أرى أفسد صنيعه ذاك بإقدامه على ترجمة بعض السونيتات شعرًا موزونًا مقفى بنفس نظام تقفية السونيت الذي لا يخلو من الصعوبة والتعقيد. ومن وجهة نظر شخصية فإن المترجم قد ألزم نفسه بما لا يلزم، ولم تكن النتيجة مقنعة في نهاية المطاف، إذ بدت ترجمته الموزونة المقفاة أقرب إلى النظم منها إلى الشعر الحقيقي. صحيح أن هناك تجارب سابقة وناجحة لترجمة الشعر الموزون المقفى إلى شعر موزون مقفى مثله كترجمة أحمد رامي لرباعيات الخيام، غير أن مثل تلك التجارب هي بمثابة الاستثناء الذي لا يُقاس عليه.