اضطررت في الساعات الأولى لصباح إحدى ليالي الشتاء القارسة البرودة أن أخرج لظرف طارئ ، وفي الطريق الدائري الذي يمثل شريانا مهما للتحرك المختصر البعيد عن الازدحام أو التوقف والتعثر بسبب الإشارات الضوئية ، والشتاء عندنا لمن لا يعرف مناخاتنا المدارية القارية متطرف في البرودة شتاء تماما كصيفنا الملتهب حرارة ورطوبة ، كنت ارتجف من البرودة رغم انني في سيارة محكمة الإغلاق وألبس من الملابس الشتوية السميكة ما يجعلني أقاوم برد تلك الليلة المتجمدة ، ولكونه طريقا جديدا وبمحاذاته تنشأ العديد من المشاريع في أطراف المدينة كان الطريق الدائري يضيق أمامي بسبب (التحويلة) ، على يميني قطع الخرسانة الصلبة المتصلة بأشرطة البلاستيك التحذيرية ويرتبط بكل قطعة من هذه الخرسانة حبل ممدود يحمل مصابيح إنارة صغيرة ملونة لتحذير السائقين من الوقوع في الحفريات الممتدة والمتعرجة ، وأنا أسير بتمهل لفت نظري في طرف الطريق رجل يجلس متكورا على نفسه يرتدي رداء كالأسمال البالية لا تستر جسمه ولا تقيه من زمهرير الشتاء في تلك الليلة التي قاربت فيها درجة الحرارة الأربع درجات مئوية ،أي تفكير ذلك الذي دعا صاحب هذا المشروع في أن يحافظ على مولد كهربائي لا يتجاوز سعره الألف ريال ليعرض إنسانا لخطر الموت في اجواء مكشوفة ومساحة لا يحدها إلا صحراء مفتوحة قاحلة ؟، أي انسانية في هؤلاء الذين لم يجدوا اختراعا للحفاظ على مولد كهربائي من السرقة إلا ان يضعوا انسانا ضعيفا يعتصره الم البرد والخوف والجوع لكي يحافظ على هذا المولد من ان يسرق ؟.جلوس ذلك العامل كان بجوار مولد الكهرباء الصغير الذي يبعث بالتيار الكهربائي لإنارة المصابيح التحذيرية المتدلية على طول الطريق المحاذي للحفريات والتمديدات ، وبقدر ما أذهلني هذا الموقف المؤثر بقدر ما جعلني اتساءل : إلى أي حد بلغ فينا الجشع والطمع على أن نترك عاملا لا يملك حولا ولا قوة على رصيف مكشوف في أقصى المدينة يرتجف من البرد في ليلة شتائية لا يستطيع تحمل بردها حتى من هم في بيوت مغلقة وتحت أرتال من البطانيات وبجوارهم المدافيء المشتعلة؟، أي تفكير ذلك الذي دعا صاحب هذا المشروع في أن يحافظ على مولد كهربائي لا يتجاوز سعره الألف ريال ليعرض إنسانا لخطر الموت في اجواء مكشوفة ومساحة لا يحدها إلا صحراء مفتوحة قاحلة ؟، أي انسانية في هؤلاء الذين لم يجدوا اختراعا للحفاظ على مولد كهربائي من السرقة إلا ان يضعوا انسانا ضعيفا يعتصره الم البرد والخوف والجوع لكي يحافظ على هذا المولد من ان يسرق؟. ولكم تمنيت حين تجاوزت ذلك العامل المسكين لو أنني لم أره ، ولكم رجوت أن يكون ما رأيته حلما لا يمت الى الحقيقة بصلة ، لكنها كانت حقيقة مؤلمة وهي أن بعض شركاتنا ومؤسساتنا وحتى على مستوى العمالة المنزلية هناك من يتجاوز في التعامل مع هذه الفئة بطريقة بعيدة عن عاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا العربية الاصيلة وبعيدا عن هويتنا الاسلامية السمحة وبعيدا حتى عن الإنسانية. [email protected]