ما أجمل الروايات التي تنقلك من عالم السكون لعالم الحركة، تنقلك من عالم الجمود لعالم الأحداث، أجزم أنه ليس كل الروايات تشد القارئ، كما أنه ليس كل الروايات تكتب بطريقة مغناطيسية فبمجرد أن تقع يدك على هذه الرواية تنشأ علاقة خفية بينك وبينها، ليس لأنها طبعت بأسلوب أنيق ومرتب، بل لأن كاتبها جمع فيها كل مكونات الرواية الحقيقية، فحين تركز على الشخصيات ترى الكاتب يعطي كل شخصية حقها في الظهور وفي التدرج من البداية حتى الحبكة أو العقدة وصولاً للنهاية، وحين تمعن في اللغة التي يعتمد عليها في كتابة روايته تراه يعتمد على ألفاظ واضحة المعاني مصفوفة في سياق لغوي قوي التركيب يؤدي إلى معانٍ واضحة لا لبس فيها؛ ليضمن بالتالي تكوين المشهد الذي يريده للقارئ بكل وضوح دون ضبابية. اعذروني أعزائي القراء على إطالتي في المقدمة دون الدخول في تفاصيل الرواية التي بين يدي، فالموقف استدعى مني ذلك، لأن الرواية تستحق أكثر، هي رواية لقائد القوات الخاصة للأمن الدبلوماسي بالمنطقة الشرقية عبد الكريم بن محمد بن مهنا المهنا، جاءت تحت عنوان «بين الدوادمي وأمريكا... شيء ماء سيحدث» وقد وقعت الرواية في صفحات من القطع المتوسط، وبلغت عدد صفحاتها ثلاث مئة وأربع وستين صفحة، وجاءت في طبعتها الأولى. يذكر أن هذه الرواية تعتبر النتاج الأدبي الحادي عشر للكاتب، حيث سبق له أن أصدر ثلاثة دواوين نبطية جاءت تحت عنوان»جمرة الماضي»»لندنيات»»غزليات على ضفائر أنثى»وديوان تفعيلة هو «دروس في فن الغرام»، كما أصدر المجموعة القصصية «أقدام حافية» وأتبعها بالقصة القصيرة «كواكب نبطية»، تلاها كتابه السياسي «استهداف أمة»، ثم رواية «أثل الدوادمي ولا نخيل العراق» و»حب في زمن الإرهاب» و»أبو علي في سوق الأسهم» وأخيراً هذه الرواية التي بين يدينا. ويلاحظ على الأديب التصاقه بالدوادمي التصاق محبة واعتزاز لا تعسف وإسفاف، فهو يذكرها تقريباً في كل نتاجاته الأدبية، حتى أنه عنون اثنين من مؤلفاته باسمها، ما يوصل لنا رسالة أدبية منه مفادها أن الدوادمي حاضرة عنده أينما ذهب، حاضرة بأهلها وترابها وهوائها وذكرياتها، وهو ما نلاحظه من خلال تحليلنا لنتاجاته الأدبية. تميزت روايته هذه باعتماده على المكون اللغوي الفصيح في صياغة أحداثها، حتى وإن خالط هذا المكون الفصيح بين الحين والآخر بعض الكلمات العامية، على سبيل لسان الحال لا المقال، وتبرز عبقرية الأديب وتمكنه اللغوي حين نقارن نتاجاته النبطية بنتاجاته الفصيحة، إذ نلاحظ أنه تمكن من الاثنين معاً، وجمع بينهما، ما يوحي لنا أنه يعتز بلغة القرآن وفي ذات الوقت يوقر موروثه اللغوي النبطي، ويؤكد هذا التوجه قول المهنا:»قد يكون لأمريكا وأهلها عراقة في الحضارة، لكن للدوادمي وأهلها عراقة في الأصالة، وقد يكون لأمريكا وأهلها عظمة في القوة، ولكن للدوادمي وأهلها عظمة في الإيمان». كما تتميز كتابة المهنا الأدبية بأنه يذكر تفاصيل كل مشهد، كما أنه يطعم بين الفصيح والعامي، ونلاحظه يقول:»وأنت ما حاجتك ولدي... شرب عبد الرحمن ما بقي من فنجانه وناوله سعيد ليسكب له بعض القهوة وقال... حاجتي أن أشرب هذه القهوة وآكل بعض التمرات وأقول لك زادك الله من فضله... صمت الجميع وسأله زيد... الحجي جعفر يسأل ماذا تحتاج منه» ليس كل الروايات تكتب بطريقة مغناطيسية فبمجرد أن تقع يدك على هذه الرواية تنشأ علاقة خفية بين وبينها، ليس لأنها طبعت بأسلوب أنيق ومرتب، بل لأن كاتبها جمع فيها كل مكونات الرواية الحقيقية