جاء رحيل الأديب العلامة الشيخ عبدالله بن خميس، بمثابة الرحيل في ثوب الحياة، والحضور إلى الإبداع مرة أخرى من بوابة الرحيل، لما تميز به أدب فقيد المشهد الثقافي محليا وعربيا الشيخ عبدالله بن خميس – رحمه الله – إذ يصف مثقفون ومثقفات بأن رحيله رحيل علامة قدم لأدب الجزيرة العربية، ولما رصده بقلمه من تراثنا الأدبي الفصيح منه والشعبي، عبر رؤية تفرد فيها بالموازنة والاتزان فيما رصد ودوّن وقدم وكتب..إلى جانب ما يمثله إبداعه الشعري، وأدبه الذي جمع فيه فنونا إبداعية تناغمت في قامة مبدع سيظل حاضرا في ذاكرة المشهد الثقافي، وإحدى القامات الثقافية العربية التي استحقت التكريم في حياتها..وتفرض علينا مزيدا من التقدير بعد الرحيل.. د. أحمد السالم: مؤرخا أبدع في الرواية وقدم من الكتابة ما تثق الذاكرة به د.عالي القرشي: تفرد بأنماطه الخاصة في المقاربة بين الفصحى والعامية وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشاعر الدكتور أحمد بن عبدالله السالم قال في حديثه عن الراحل ابن خميس: الفقيد – رحمه الله – يعتبر أديب كل الأجيال، فقد عرف عنه كمؤرخ ، وعرف عنه رواية للكتابة الموثوق بها، لذا فقد عرفناه (مدونة الجزيرة العربية) ولقد عرف عنه كشاعر واديب جزالة اللفظ وقوة المعنى. وقال د. السالم: لقد شرفت بالاشتراك معه في أمسية كبرى بمناسبة مرور مئة عام على توحيد المملكة العربية السعودية، والتي أقيمت عام تسعة عشر وألف وأربع مئة للهجرة، وما زلت أتذكر حينها ما اثاره من دهشة الحضور وناله من إعجابهم..والحقيقة أن آثاره التاريخية والأدبية تعد مرجعية هامة للدارسين، فقد نهل منها كثير من مقدمي التاريخ والرواية والأدب ..كما أن ابن خميس بعث الكثير من ألفاظ اللغة العربية التي ماتت، ومن ثم قدمها إلى الجيل الجديد الذي عرفها ومن ثم عاد إليها في المعاجم للتعرف على معانيها، وبالطبع لقد التقيت مع فقيد الجزيرة في مناسبات مختلفة ومحافل عديدة، لأجده في كل مرة مثار إعجاب ومثار اهتمام من الحضور الذين كانوا يبادلونه الدهشة والإعجاب في كل مناسبة، ممن جايله ومن الجيل الذي جاء بعده.. فبرحيله اليوم نقول إن ابن خميس – رحمه الله تعالى – لقد افتقدته المملكة في مشهدها الثقافي، إلا أن عزاءنا أن آثاره موجودة من خلال ما دونه في مؤلفاته، وموجودة آثاره من خلال ما كتبه عنه ممن تتلمذوا عليه، وانقطعوا إلى كتاباته . د. عائشة الحكمي: له بصمته الخاصة إعلاميا وثقافيا بريادته الشمولية د. إبراهيم الشتوي: اتسم موقفه بالشجاعة التي استشرفت العصر واختتم د. السالم في حديثه عن فقيد المشهد العربي واصفا هذه القامة الأدبية، بأنه ريادي استطاع في أدبه أن يرضي كل الأذواق والمتعاطين مع الشعر النبطي والتاريخ العامي، والذين وجدوا ضالتهم عنده.. مشيرا إلى أنه مع هذا، فقد حافظ على اللغة العربية الفصحى كاتبا وراويا. من جانب آخر تحدث الكاتب والناقد الدكتور عالي بن سرحان القرشي عن رحيل الأديب عبدالله بن خميس قائلا: رحم الله ابن خميس وأسكنه فسيح جناته وجعل ما قدمه من أدب وثقافة في موازين حسناته..فإبداعه جاء إبداعا مختلفا لأن إبداعه يكمن في إنجازه الثقافي المتمثل في التفاتته إلى الأدب المتداول بين الناس سواء الفصيح منه والعامي، ليفرد الجانب الفصيح باهتمامه بالتوثيق لحرصه أن يكون ما ينجزه من جهد أدبي وثقافي قريباً من عامة الناس ومتداولاً شائعاً بينهم. ومضى د. القرشي مستعرضا جانبا من جهده الثقافي في سياق الاقتراب من المتداول بين الناس والوصول بالفصحى إلى العموم من خلال حديثه عن البرنامج الإذاعي (من القائل ؟ ) الذي كان يقدمه، فقدم الأدب والثقافة، وذلك من خلال ما كان يسعى إليه من أهداف ثقافية وأدبية عبر هذا البرنامج، الذي كان يقدم من خلاله النص الشعري، إلى جانب ما يضيفه ويضفيه عليه من سياقات أخرى حول النص من خلال القائل تارة ومن خلال اللغة ومناسبة النص تارة أخرى، ليخرج من خلال ذلك إلى الوصول باللغة الفصيحة إلى ذائقة الجمهور عبر حرصه الشديد على تقريب الفصيح من خلال عقد صلات متناغمة عبر هذا البرنامج خدمة للغة العربية الفصيحة وللأدب بوجه عام، في مرحلة ربما طغت العامية من جانب، وطغى وهن استخدام اللغة العربية الفصيحة بين عامة الجماهير المتحدثة بها..محاولا من خلال هذا الجهد النير أن يعيد الوهج والحيوية ، ويؤسس عبر الذاكرة المتنامية للغة العربية وأدبها الرصين، وذلك من خلال التأصيل والتوثيق العلمي والأدبي، عبر ما يتميز به من رد المتداول بين الناس إلى أصوله بوصف هذا الأسلوب نمطاً تفرد به رحمه الله. واختتم د. القرشي حديثه عن ابن خميس قائلا عن النمط الثاني الذي تفرد فيه الأديب الراحل: لابن خميس رحمه الله نمط توثيقي آخر في المواضع والديار، وما قيل فيها من شعر قديم..فكل هذه التوثيقات جاءت متناسقة مع الدور الإحيائي الذي صنعه بعناية محولة منه لرصد الثقافة وتأصيل حركتها في المشهد المحلي..كما أنه استطاع أن يلفت إليه النظر في مواقفه الشجاعة من الشعر العامي ومن دراسته، لأن ابن خميس يعتبر كما يقول إنها ثقافة إنسان منحدرة من الثقافة العربية..ولديه إيمان بأنها ثقافة لها امتداداتها وجذورها وليست ثقافة دخيلة. من جانب آخر استهلت الكاتبة والقاصة الدكتورة عائشة الحكمي حديثها عن فقيد الأدب والثقافة قائلة: إلى جنة الخلد يا رائد الأدب والثقافة والمعرفة والإعلام.. إلى الرحمة والمغفرة إن شاء الله.. فكل العمر وزعته توزيعا عادلا على وطنك شاركت في بناء الأسرة , في الإصلاح الاجتماعي , التعليمي , في تأسيس الصحف قدمت البرامج المذاعة والمتلفزة , لن ننسى برنامجه (من القائل) من إذاعة الرياض، ملأ أسماعنا وأذهاننا بكثير من الأقوال والقصائد الشعرية المشهورة والنادرة من خلال هذا البرنامج، الآن أصبح من الذكريات الجميلة اذ كان ماهرا في التعامل مع تكنولوجيا الإعلام فدخل آذاننا بصوته الهادئ العفوي ذي الإيقاع اللغوي الفخم . ومضت الحكمي متحدثة عن جانب من إنجازات الفقيد بقولها: من أهم انجازاته التأليف في مجالات المعرفة، فقدم لمكتبة الأدب عيون شعره , حين كان في الحجاز يتلقى العلم غاب عن نجد جسدا لكن روحه بقيت مقيمة في قلب نجد , عبر عن تلك الغربة والفراق .. ففي شعره كما نلاحظ قوة تعبير ووضوح يضاهي الشعر العباسي، وقد كتب المقالات في شتى الصحف وفي القضايا السياسية والدينية والاجتماعية، وكلها تترجم التزامه بقضايا وطنه وأمته العربية، ففي إحدى المقالات المذكورة في كتاب ( المقالة في الأدب السعودي ) كتبها بمناسبة انعقاد القمة العربية في بغداد , من يقرأها يسمع فيها صوت المفكر العالم الذي قلبه يتعلق بأمته فأوصى القادة بنبذ الخلافات والتمسك بأرض فلسطين ... واختتمت الحكمي حديثها مشيرة إلى أنه لا بد من نجاح القمة من أجل شعوبهم المنتظرة وهناك تاريخ القبائل والشعر النبطي والجغرافيا أودعها في المكتبة العربية بثقة تحسبا لمثل هذا اليوم الذي يغادر فيه الحياة وهو معتز بأنه لم يهدر العمر في سراب , استثمر عمره في خدمة دينه ولغته بلا حدود . سخر حياته في البناء الحضاري والإنساني بوعي وبصيرة محتسبا ذلك لرفعة الأمة.. مختتمة حديثها بأن الحديث عنه يطول لكننا لم ننسه منذ أن عرفنا - نحن أساتذة الأدب السعودي - كلماته وجهوده الفكرية , ننقل جهوده إلى من نعلمهم ونخبرهم بحكاياته في مراحل الدراسة وبناء شخصيته الأدبية واسهاماته الواسعة مما يجعله حق تجاهه علينا من أدب وثقافة وريادة. أما الناقد الدكتور إبراهيم بن محمد الشتوي فقال : الأستاذ عبد الله بن محمد بن خميس علم من أعلام الأدب والثقافة في المملكة، وهو يمثل تجربة فريدة من التجارب الأدبية والعلمية في المملكة التي تعانق فيها التجديد بالأصالة، والتطلع نحو المحافظة على الشخصية المحلية المتميزة. ففي الوقت الذي يحظى فيه بثقافة عربية خالصة فتخرج من كلية الشريعة واللغة العربية من مكةالمكرمة، نراه يهب للإصلاح الاجتماعي منذ بدايات عمله فيطالب بتعليم الفتاة بقصيدته الشهيرة التي ألقاها أمام وزير المعارف آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين فيما بعد، والتي سيظل البيت الشهير الخالد يتردد في ذاكرة الثقافة السعودية: يا نصير العلم هل من شرعة تمنع التعليم عن ذات الخبا فقد جمع في هذا البيت كل الحجج الدامغة التي تبطل منع تعليم الفتاة، فالمخاطب نصير العلم، والحديث لا يتصل بدين ولكنه يتصل بالأديان كلها مما يعني أنه يرتبط بالعقل الإنساني أجمع، ثم إن العلة الكبرى التي منعت لأجلها الفتاة من التعليم في الحقيقة أنها ذات خبا، وليس وراءه سبب آخر، مما يدعو إلى التساؤل عن سلامة التعارض بين الخيار والعلم؟ وأضاف د. الشتوي بأنه كان من الإصلاح الاجتماعي في نجد مساهمته بالتأسيس للصحافة التي هي لسان العباد، والطريق السريع إلى نشر المعرفة وتثقيف الناس، فأنشأ مجلة وقادها لأن تحذو حذو الصحف العربية المتقدمة وتعنى بشؤون الوطن والمواطن. ومضى د. الشتوي مشيرا إلى أن هذا التعالق بين المكونات العربية الأصلية والمكونات المحلية يبدو كثيرا في تجربة الأستاذ عبد الله بن خميس الشعرية، فهو شاعر كبير في الفصحى، وشاعر أيضا في النبطي، وكتابه (من القائل) الذي مثل مغامرة متميزة بالبحث عن شوارد الأبيات في مجاهيل كتب التراث وضم فيه الشعر الفصيح إلى العامي يمثل تجربة رائدة في النظر إليها معا بوصفهما تراث أمة واحدة يستحق العناية بوجهيه، وتبين عن العلاقة بين الفصيح والعامية في الجزيرة العربية، الذي مثل كتابه "راشد الخلاوي" تجربة تطبيقية لها حيث سعى لأن يقدم هذه الشخصية الفريدة بصورة تكشف عن التعالق الكبير بين الفصحى والعامية في الجزيرة العربية بدلا من القطيعة التامة. واختتم د. الشتوي حديثه قائلا: عبد الله بن خميس عالم كبير في كتاباته العلمية وشاعر كبير في شعره، وهو أيضا مصلح اجتماعي ورائد، وكل هذا يصب في شخصية عبد الله الخميس المبدع المتميز الذي كان يطمح للمساهمة في بناء مجتمع ذي شخصية خاصة لا تتناقض فيها الأشياء بدلا من أن تتصالح وتتعاون. سيظل محفورا في ذاكرة الإنسان السعودي. فرحمه الله رحمة واسعة.