ذكر علي الفياض في كتابه من أفواه الرواة أن جبر الكواري كان جالساً مع الشاعر محمد الفيحاني في مجلس مع مجموعة من الأصدقاء المقربين وكان في يد الكواري أوراق يقرأ منها على الأصدقاء بعض قصائد الفيحاني الذي كان مشغولاً في ناحية من المجلس وقرأ الكواري: أنوح من الجوى واقول فرقا كما ناحت من العلات ورقا انط بمرقبك يا الغي وارقا من الحرات في روس المبادي وكان قد قرأ كلمة (الجوى) خطأ (الجو)، فانزعج الفيحاني وقال للكواري: أعطني الأوراق التي في يدك وصاح بأصدقائه تعالوا انظروا ماذا فعل بقصيدتي؟! لقد كسر البيت أنا أقول أنوح من الجوى وهو يقول أنوح من الجو! ثم التفت إلى الكواري وصاح به: أتريد بعد أن أموت أن يقول الناس إن ابن عبدالوهاب ليس بشاعر!! ومن خلال هذه القصة يتبيّن إشكالية كتابة الشعر النبطي، فإن كثيراً من المخطوطات والمطبوعات التي عنيت بتدوين الشعر النبطي مليئة بالأخطاء العديدة سواء كانت إملائية أو تصحيفية أو غير ذلك من الأغلاط في رسم الحروف والكلمات أدت في مجملها إلى تشويه النص الأصلي ووصوله إلى القارئ بصورة مشوهة سواء كان هذا التشويه من ناحية الوزن أو من ناحية اللفظ أو من ناحية المعنى، وبصفة عامة نلاحظ أن عامة الناس لا يستطيعون قراءة النصوص الشعرية قراءة صحيحة إلا إذا كان لدى أحدهم ملكة شعرية يستطيع بها تلمس طريقه في غابة الحروف المتراصة أو يكون لديه مراس ودربة على قراءة هذه الأشعار أو خبرة في اللهجات العامية، ولذا فإنه ليس غريباً أن تجد كثيراً من حملة المؤهلات العالية لا يستطيعون قراءة قصيدة نبطية واحدة بصورة صحيحة في حين يقرأها بكل بساطة (أحد خريجي محو الأمية)!! فالآداب الشعبية عموماً والشعر النبطي خصوصاً تعتمد في الأصل على المشافهة والتلقي كوسيلة رئيسية للتداول والرواية، فأي وسائل أخرى بعيدة عن المشافهة ستكون قاصرة عن استيعابه بصورة كاملة، فإشكالية قراءة النص الشعري هي الخطوة التالية لإشكالية الكتابة، ويشير روكس العزيزي إلى أن الشعراء يبخلون بقصائدهم أشد البخل اعتقاداً منهم أن تسجيل الأشعار البدوية يفسدها!! ورغم أن أغلب شعراء اليوم متعلمون ويكتبون قصائدهم بأنفسهم إلا أنك حين تتأمل هذه الكتابة تجدها بعيدة كل البعد عن احتواء القصيدة صوتياً ومعنوياً وإملائياً بل إنها قد تتسبب في خلط المعاني وتشويه الصور وكسر الوزن والإساءة للغة الكتابة!! ومع أن كتابة الآداب العامية عموماً والشعر النبطي خصوصاً مسألة شائكة تطرق إليها عدد من الدارسين أبرزهم سعد الصويان وغسان الحسن، فليس من السهل وضع حلول جذرية لمعالجتها ولكن هناك أمور مهمة ينبغي مراعاتها عند كتابة القصيدة العامية أهمها المحافظة على الصورة الفصيحة للكلمة!! لأنها السبيل الوحيد لمعرفة معاني الكلمات واشتقاقاتها، وكذلك التدقيق في النصوص وتصحيح الأخطاء الإملائية والطباعية وضبطها وتشكيلها بدقة لإبراز السمات الصوتية مثل السكون والتشديد والتنوين. ولذا فإني أطالب القائمين على الصفحات الشعبية توحيد طريقة كتابة القصيدة النبطية على صدر صفحاتهم كخطوة أولى لتقنين هذه الكتابة!!