كل حديث أدلى به سمو ولي العهد أثناء زيارته إلى أمريكا تضمن (اختراقا إعلاميا) من الذي تحبه وسائل الإعلام ويسعى إليه محرروها وكتابها ومذيعوها. لم تكن هذه الأحاديث مجرد أحاديث عابرة تملأ بطون هذه الوسائل والسلام، بل كانت موحية أحيانا ومبشرة ومنذرة أحيانا أخرى. وقد جر كل حديث الحديث الذي بعده لأن نهم الإعلام الأمريكي في معرفة السياسات السعودية الجديدة، في الداخل والخارج، نهم كبير لا يقدر على إشباعه ومواجهته بالحقائق والأرقام والصراحة الكاملة إلا سمو الأمير محمد بن سلمان. ولو أنك فتشت في مضامين هذه الأحاديث لما وجدت قضية لم يتم السؤال عنها، من المحلي إلى الإقليمي والدولي. وإذا كانت أسئلة الصحفيين الأمريكيين تبدأ بإيران ولا تنسى فلسطين ودخول الأمريكيين للعراق في العام 2003، فإنها تطرح، بقصد وتركيز شديدين، مسألة التعليم في المملكة واستكمال حقوق المرأة والحديث عن عباءتها، وحب الأمير للفن، وفنانه المفضل. هي لقاءات إعلامية كما نقول (من الإبرة إلى الصاروخ). والمهم أنه بعد كل لقاء تفتح قنوات وصحف ومواقع إلكترونية نوافذها لتحليل الدلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الأعداء قبل الأصدقاء يخصصون أوقاتا طويلة متفقهين ومفسرين هذا الجزء من الحديث أو ذاك. أي أن العالم بأكمله، أصدقاء وأعداء للمملكة، يحاولون فهم المتغير السعودي الذي يفاجئهم بقوته وشجاعته وجرأته وانتقاله من حالة سكون متعارف عليه إلى حالة حركة لا تتوقف وتطال كل شيء، من حروبنا المستحقة ضد الاعتداءات الإيرانية إلى خطواتنا المجتمعية المتقدمة وأخذنا بقوة بزمام الانفتاح الثقافي والفني المؤثر في طبيعة السعوديين وصياغة مستقبل أجيالهم الجديدة. أمريكا هي سيدة الإعلام وسيدة العلاقات العامة بلا منازع. وكان من الذكاء والحصافة أن تُجرى كل هذه الأحاديث الإعلامية عبر كل هذه الوسائل المعروفة والمرموقة. وإذا كان الأمريكان وغيرهم يعرفون عن المملكة القليل قبل هذه الزيارة، فإنهم الآن يعرفون الكثير جدا، حيث سيصعب على أعدائنا ومناوئينا أن يزوروا أو يدلسوا كما كانوا يفعلون من قبل، مستغلين غيابنا أوصمتنا. وهذا هو الدرس المهم والثابت في علاقات الدول والشعوب: تحدث لكي أعرفك.