أعمارنا تتقدم مثل سائق متهور لا نستطيع ردعه او إيقافه!! لا بد ان نصنع من ذلك العمر أياما تحمل معها سياجا للقاءات الصدف الجميلة، فالحياة مغرية بالخفة واحلامنا كثيرة، هي الاخرى مازالت تركض داخل حقل واسع تقاوم الانطفاء، ولاننا نخشى ذلك كله نغرق تحت اسقف المقاهي علها ان تتمهل قليلا، وتدفعنا من ورائنا بقوة كي نتمكن من الجري والقضاء على ترددنا. رغم عدم إدماني القهوة لكني عند احتسائها أشعر كحالة اللاحوار، وكأني أبحث من خلالها عن دبلوماسيتي. وربما هذا سر البعض الذين لا يكتمل يومهم دونها!! كأنها تنصره وتأخذ بيديه خالصا دون أدنى ضريبة لحياته. وحدها القهوة تزهد معها كل الاخبار السيئة والعقود المؤجلة التي دونت في الصحف اليومية النائمة بجانبها.. لا سواها يسمح لنا باللعب مع كثافة اللحظة بحواسٍ يتأرجح حرا! ليس فقط هكذا انها تجاوزت إعجابنا بها حتى ارتبطت بشخوص، أصبحنا نراهم بنكهاتها ورائحتها. فمنهم من كان بلطافة اللاتيه، ذي الطابع العاكس للرضا ومحبة كل ما يفعلونه.. وأولئك الذين يحملون عفوية الموكا، كنت اراهم مع الالوان والحفلات الراقصة، متفائلين جدا وسلاسة التعامل معاهم بيبقى الوقت حلو وممتع. وكم كانت ارتجالية مع رائحة الكابتشينو، فمع رغوتها كنت ألمح المتفائلين في اقوالهم وأفعالهم؛ لتقف صريحة ومحبة للموضة مع المثلجة والفرابيتشينو، فهم لهم طريقة عيش ممتعة في الحياة، ودائما ما كنت أجد أصحاب السوداء ذوي الفناجين الصغيرة انطوائيين ذوي الطابع الانبساطي، تلك الشخصية الحساسة التي تسعى إلى الكمال، إضافة إلى الصبر، اليقظة والحذر، دفء المشاعر، الجرأة الاجتماعية. لتأتي التركية ذات المذاق الثقيل واللون الداكن، كنت ارى محستيها، ذوي الطابع الأنيق الفعال الباحثين عن الكمال رغم تقلب أمزجتهم قليلا يمكنهم النجاح في علاقاتهم الاجتماعية. ولا تكمن حالة الاسترخاء الا مع اصحاب القهوة الفورية وحدهم لا يأبهون للتفاصيل. الغريب أنني كنت أجد مع رائحة الاسبرسو المزدوج «أبي» كانت تحمل شخصيته العملية لاغتنام جميع الفرص، فكانت فرصة واحدة ليست كافية بالنسبة له. وقد تبدو مسلية، تلك التي تأتي في كبسولات بالطبع لن انسى الأغلبية السائدة المحافظين بالتقاليد، كما أنهم لا يهتمون بالكماليات ولا يتقبلون التغييرات، نعم نعم إنهم اصحاب القهوة العربية. مذاقات القهوة المختلفة تابعة لأشخاص نراهم فيها، محمود درويش كان يقول عند تذوقها كل مرة: أعرف قهوتي، وقهوة أمي، وقهوة أصدقائي. لا قهوة تشبه قهوة أخرى لكل شخص قهوته الخاصة، الخاصة إلى حد أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بمذاق قهوته.