في زيارة تاريخية، ومفصلية، في محتواها وتوقيتها وظروفها، وصل إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع في زيارة رسمية للولايات المتحدةالأمريكية، يلتقي خلالها مع فخامة الرئيس دونالد ترامب، وكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وقيادات الكونجرس، ومراكز الفكر، ورؤساء أكبر الشركات العابرة للقارات في وادي السليكون. حيث تحظى هذه الزيارة باهتمام كبير من المسؤولين الأمريكيين نسبة للملفات الهامة التي ستتناولها المباحثات بين البلدين، والتي جاء إعلان البيت الأبيض على أنها ستركز على تعميق العلاقات الإستراتيجية بين المملكة والولاياتالمتحدة، في مجالات الاقتصاد والاستثمار، والمجالات السياسية والأمنية، إلى جانب تعزيز الشراكة التاريخية القائمة بين البلدين. يرى الطرف الأمريكي في المملكة الشريك الإستراتيجي الذي يمكن التعويل عليه في حماية الأمن والسلم الدولي في المنطقة والعالم، كما ترى المملكة في الجانب الأمريكي الشريك الأكبر الذي يلتقي معها في سلسلة من المصالح المتبادلة. وتعود العلاقات التاريخية بين البلدين في إطارها الرسمي المتمثل في تبادل البعثات الدبلوماسية إلى ما يزيد على ثمانية عقود، وتحديدا منذ اللقاء التاريخي بين جلالة المغفور له -بإذن الله- الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- مع فخامة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن الباخرة الأمريكية (كونسي) في 14 فبراير 1945م. وبعد ذلك اللقاء التاريخي، توالى تبادل الزيارات بين القادة في البلدين، وتكرست علاقة الصداقة والشراكة على أسس متينة قوامها الاحترام المتبادل، وتوسعة مجال الاستثمار في المصالح المشتركة، إذ زار الملك سعود الولاياتالمتحدة عام 1957م، واستقبله الرئيس إيزنهاور، وكان الملك فيصل قد سبقه إلى زيارة واشنطن عندما كان ممثلا لوالده في حفل تأسيس الأممالمتحدة عام 1945م. واليوم تستقبل العاصمة الأمريكيةواشنطن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لا بصفته وليا للعهد السعودي وحسب، وإنما بوصفه الشاب الذي منح هذه المنطقة الصاخبة والعالم وجها للأمل الجديد، عبر ترجمته العملية لرؤية والده الملك سلمان، والذي توسم في سموه أنه سيكون رجل المرحلة، الذي سيغير وجه هذه المنطقة المشحون بالبؤس واليأس، والتغولات، والأطماع، والاستلاب، وسيادة قانون الغاب، ليعيدها مجددا إلى سبيل التنمية والاستقرار والرخاء والتنمية والبناء. ولعل الصحافة الأمريكية حين استبقت هذه الزيارة الهامة بتسليط الأضواء على مشروع سموه المتمثل في رؤية السعودية 2030، وبرنامج التحول الوطني، وما تم انجازه من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وقيادة برامج تحديث المملكة لمواكبة العصر الحديث، وتمكين الشباب، والمرأة، لعلها أرادت أن تعكس مدى قدرة هذا القائد الشاب على صناعة الحدث، وبالتالي العمل على تمتين الشراكات القائمة بين البلدين باتجاه المزيد من التوسع لمصلحة البلدين. وإذا ما كان حديث سموه الذي كان قد أدلى به لمحطة «CBS» عبر البرنامج العالمي الشهير «60 دقيقة» مع السيدة نورا أودونيل، وتناول فيه كافة الملفات بكل شفافية، وتأكيد المذيعة على أريحيته في الإجابة عن أكثر الأسئلة تعقيدا قد قدم الصورة الحقيقية لقائد شاب، يتقد حيوية، ويتمتع بكاريزما خاصة، تدعمها رؤية دينامية الحركة، ترفع سقف تطلعات الوطن والأمة إلى أبعد مدى، وهو الذي قال إن طموحاته لبلده لا يحدها سوى عنان السماء. وهنا، وباختصار شديد، ربما يكون بوسعنا أن نقول: إن ما بعد هذه الزيارة بالتأكيد لن يكون كما قبلها.