كل يسعى للتغيير ويطلبه لأنه أساس البقاء وجوهره، ولكن البعض يعيق نفسه في كثير من الأحيان بأن: هذا طبعي! والإنسان لا يستطيع أن يغيّر طبعه. وتجد أيضاً بعض الآباء يصنف أبناءه بناءً على ما يعتقد أنه طبائعهم، وبالتالي لا يقدم لهم شيئاً يذكر بحجة أن الطبع يغلب التطبع. وكذلك بعض المديرين في تعاملهم مع الموظفين، والموظفين في تعاملهم مع بعضهم، فالقاعدة المتبعة «أبو طبيع ما يترك طبعه». هل هذا صحيح؟. صحيح وغير صحيح، فلكل طباعه التي خلقه الله عليها، والطبع أحد مصادر الأخلاق، ولكن أيضاً يمكن تغيير الطبع، أو على الأقل تحجيم تأثيره من خلال التطبع، الذي يأتي بالدعاء والتدبير والمران، وفي الحديث الشريف يقول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه». ومن دعائه صلوات الله وسلامه عليه: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت». وللإمام الغزالي -رحمه الله- قول جميل وعميق: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسّنوا أخلاقكم». وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن؟ إذ يُنقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد. إذن دورنا المأمول من أجل أنفسنا ومن حولنا، ألا نظل حبيسي طباعنا، بل نسعى لكل تميز، ومعالجة كل سلبية، والتعامل الصحيح مع كل تحدٍ، وإن حدث وأعاقتنا طباعنا فلنصبر ولا نعاير، بل نعود لمسيرة التطبع بالأخلاق الفاضلة، فطريق التميز والنجاح طريق طويل ويحتاج إلى بذل وتضحية. قال الحكيم: ليس شيء عولج إلا نفع وإن كان ضاراً، ولا شيء أهمل إلا ضر وإن كان نافعاً. باختصار: التطبع لا يغلب الطبع، ولكن يؤدي إليه.