الحياة الجيدة مطلب إنساني لجميع البشر، وإذا رغبت أن تعرف المفتاح الذي يدخلك إلى جودة الحياة فهو التفكير، وطبيعة أفكارنا هي التي تحدد نوعية حياتنا. هذا ما انتهت إليه الأبحاث والدراسات والتجارب قديمًا وحديثًا، وأكد الوحي على هذه الأهمية للتفكير في قول الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا..} (46) سورة سبأ والتفكير عملية لها متطلباتها، وأولها العلم الصحيح ليكون الناتج صحيحًا، فإذا تصورنا الفكر (آلة) فلابد من انتقاء المواد الخام التي تدخل إليها، وقد شبه ابن القيم الفكر بالرحى الدائرة (وهي أَداة يُطْحَن بها) ولا بد لها من شيء تطحنه، فان وضع فيها حب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيّن له حقيقة طحينه. الجهل أكبر عائق أمام التفكير، سواء في صورته البسيطة وهي عدم المعرفة أو في صوره المركبة أو المغلظة وهي أن يكون لدينا معرفة مبتورة أو مغلوطة. وكم أضرنا الجهل في مواقع حياتنا، وتسبب للبعض في الفشل الدراسي أو المهني أو الاجتماعي، وكم ورطنا أحيانا في أحكام خاطئة على الآخرين دون تثبت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. وكم أدى الجهل إلى الضلال والإضلال:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا) [ البخاري]. وسيطرة الجهل هي علة شيوع الخرافة والوهم والشائعات، ولذلك فهو قرين التخلف، وقد علمنا الإسلام أن المعرفة هي المدخل للتنمية والتغيير الحضاري عندما بدأت أول آية من كتابه بقوله تعالى (اقرأ). وصدق القائل: وفي الجهل قبل الموت موت لأهله *** وأجسامهم قبل القبور قبور ولكي نحسن التفكير علينا أن نسعى إلى اكتساب العلم الصحيح، بما منحنا الله من أدوات الإدراك والتفكر كما قال سبحانه {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء. والتعلم مشروع مستمر ما دمنا على قيد الحياة، يقول ابن قتيبة «لا يزال المرء عالما ما دام في طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد بدأ جهله» والعلم ليس لجودة الحياة فحسب، بل هو نفس الطريق إلى الجنة:(من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع)[ الترمذي]. وهو حفز كبير للتعلم، وأولى الناس به هم طلابنا، وهم يستأنفون السير في طريق تعلمهم، بعد إجازة منتصف العام.. ولا تنس -عزيزي القارئ - أن العلم ليس لمجرد حفظه، ولكن لتبدأ من خلاله عملية التفكير لنجعل حياتنا أفضل، وللحديث بقية.