اعتدنا أن نعرف الأنانية على أنها حب النفس، وهذا خطأ كبير، لأنها تعكس في الحقيقة خوفا شديدا في الأعماق، فهي تجعل الإنسان يحاول بشجاعة أن يجمع لنفسه كل ما يظن أنه سيعطيه الأمان، ولأنه مليء بالخوف فهو يسعى لحماية هشاشته باختراق مساحات الآخرين معتقدا بأنه أولى من غيره بأي شيء. كلنا نقع وبدون وعي أحيانا في فخ الأنانية، فحين يتعرض أحدنا لهجوم من البعض يستجيب بسرعة للإحساس بالرغبة في الثأر والانتقام بقوة، اعتقادا منه بأنه يستعيد حقوقه وينتصر لذاته، وفي الحقيقة فنحن نؤذيها بأسوأ ما يمكن لأننا نعرض خلايانا لكميات من الطاقة السلبية التي تربك سلامتها النفسية وتتسبب لها في العديد من الأمراض العضوية. إن السبيل الأمثل لمحبة أنفسنا بذكاء هو امتلاك الوعي الذي يحميها من التسمم بأفكار الغضب والتنافس السلبية التي تفرز سمومها بداخلنا، وتشوه راحتنا الشعورية، والتقبل المتفهم لتناقضاتها، والاستماع لاحتياجاتها دون جلدها بالتأنيب وإدمان الإحساس بالذنب، والحوار الداخلي الناقد. قد يبدو الأمر بديهيا للمستنيرين روحيا، بينما يغيب عن أذهان الأغلبية التي تقضي عمرها في سراب الانتصارات الوهمية للأنا، التي تجبرهم على العيش منهكين بأثقال من المشاعر الانتقامية، وتكبدهم خسائر فادحة من سكينة القلب ثمنا لإشباع رغبتهم في تحطيم الآخر. كل تفكير يسيطر على عقولنا يشكل نوعية مستقبلنا، وليست أمراضنا سوى نتيجة أفكارنا المحملة بالرفض واللوم والشكوى، والدواء الأهم هو في اعادة ترجمة حب الذات، والتأكد بأنها في التحرر من المشاعر السلبية المدمرة لها، والتصالح مع جوانب الذات، مع السماح برحيل الماضي والعيش في اللحظة، والاقتناع بأننا مخيرون دوما في اختيار المسار الذي نرغبه، وكما أخبر الجد حفيده في قصة أعجبتني، أنه بداخل كل واحد منا ذئبان أحدهما شرير يدفعه للخطأ والثاني يشجعه على الخير، فتساءل الحفيد باهتمام؛ ومن الذئب الذي سيكسب المعركة؟ فأجابه الجد؛ من نقدم له الغذاء أكثر.