أطفالنا وهم يشاهدون البرامج المطبوخة لغيرهم من أطفال أمريكا واليابان وكوريا وغيرها من دول العالم، يتلقون التصورات الأولى عن كثير من الأشياء والعلاقات التي تتم بين مفردات الحياة من حولهم، مع البشر، والحيوانات، والجمادات، بل حتى مع بعض المغيبات. وبناء على واقع كثير من البيوت فإن تلقي الصغار من الكبار أصبح قليلا جدا في أسرنا بالموازنة مع تلقيهم من تلك البرامج، وهذا ينتج -بطبيعة الحال- أن التأثر بتلك البرامج سيكون أكثر بكثير! إلى جانب ذلك، فإن المتوقع -من واقع إدمان الأطفال هذه البرامج- هو الإخلال بالتوازن في إدارة حياة الطفل في إطار الوقت المتاح من وقت يقظته، قياسا بالبالغ الذي يتحمل كثيرا من المسؤوليات التي تجبره على تنظيم جزء من وقته إذا لم يرتق فينظم وقته كله. وهذا أدى بطبيعة الحال إلى ضياع الفرصة الكبرى في تكوين الطفل خلال السنوات الخمس الأولى من عمره، التي عادة تتشكل فيها شخصيته، وما يتبعها حتى الثانية عشرة. وتشير دراسة للأستاذ خالد القحطاني إلى أن ذلك قد يؤدي إلى آثار «تتمثل في الاغتراب والقلق وإثارة الغريزة والفردية ودافعية الانحراف، وكلها مفردات تتأسس في إدراك الأطفال وسلوكهم ومعارفهم بحيث تتحول من مجرد صورة ذهنية إلى نشاط عملي يؤدي الى إضعاف الانتماء وتفكيك بنية قيمنا الاجتماعية، وتشويه الهُوية وفصل الحدود بين الحياة الخاصة والحياة العامة بطريقة تستفز المرجعيات المألوفة». يقول الدكتور البرفسور هان من كوريا: «إن الناس يميلون إلى تقبل ما يأتي فيها؛ لثقتهم بأن كل فيلم كرتون يحتوي على قصص جيدة وجميلة وبريئة، دون أية تحفظات أو فحص مسبق، وأكد أن النظرة العامة تعد الشخصيات الكارتونية فاقدة للهوية والانتماء لأي دين أو وطن، وهذا ما يسهل انتشارها ونشرها لأيدلوجية وأفكار راسميها». ولك أن تدهش معي كيف رفضت هيئة الإذاعة البريطانية B.B.C عرض مسلسل أمريكي مشهور مثل «افتح يا سمسم» عام 1981م؛ لأنه يحمل إلى أطفالها قيما غريبة عن مجتمعها [مجلة دارين، نادي الشرقية الأدبي، العدد 12]. وجميع الدراسات تؤكد أن الغالبية العظمى من الآباء والأمهات يعلمون يقينا بأن درجة تأثير القنوات التلفزيونية في نشر العنف بين الأطفال كبيرة، ويؤكد جزء منهم بأنهم يتحكمون في نوع القنوات، ولكن كثيرا منهم يضعف أمام إقناع الطفل باختيار البرامج المفيدة، وترك البرامج الضارة بشخصيته. يقول أحد المختصين: «إن الأطفال الذين يشاهدون سلوكات عدوانية بحجم كبير في التلفزيون، بمقدورهم خزن هذه السلوكيات ومن ثم استعادتها وتنفيذها وذلك حالما تظهر المؤثرات الملائمة لإظهار هذه الاستجابة السلوكية العدوانية، وإن تذكر السلوك العدواني الذي يقدم حلاً لمشكلة يواجهها الطفل قد يؤدي إلى إطلاق هذا (المكبوت) من السلوك العدواني، ويصبح المفهوم العدواني مقترنًا مع النجاح في حل مشكلة اجتماعية، ويظل التلفزيون الوسيلة الفعالة في قوة التأثير إعلاميًّا». إننا نرى كثيرا من أفلام الكارتون خاوية من معاني الجدية، والعمل المثمر، والتوجيه الجيد، فغالبها يصور الحياة كأنها ملعب كبير، ويعرضها على أنها لهو وفوضى لا حدود لهما. لقد أعجبني هذا التعريف للرسوم المتحركة؛ لأنه يلخص كل الدراسات العالمية في عشر كلمات: «نوع من الأفكار المتحركة التى ترسخ فى العقول بسرعة فائقة».