«لا بديل عن الطاقة البديلة».. ذلك هو شعار المستقبل لأغلب دول العالم بما فيها النامية، والتي بدأت في التوسع في تطبيقات الأنظمة الذكية والخضراء، فهذه الطاقة التي تسمى كذلك المتجددة تتجه تدريجيا لتصبح الخيار الأمثل للاستدامة الطاقوية والحصول عليها من مصادر متوافرة ومتاحة للجميع، بحيث تحقق مكاسب كثيرة وأضرارا قليلة للانتاج والاستهلاك. وأوضحت دراسة حديثة صادرة عن جامعتي ستانفورد وكاليفورنيا الأمريكيتين أن 139 دولة اتجهت إلى الطاقة المتجددة، وذلك ما يمثل أكثر من 99٪ من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، أي أن هناك تحولا واسعا في نظم الطاقة، يوفر العديد من المكاسب والمزايا، في ظل التطور المتسارع لعمليات الانتاج والتوزيع وبناء الشبكات. تلك الطّاقة المتجددة تمنح المجتمعات استدامة مستهدفة في كثير من برامج ومشروعات التنمية على المدى البعيد، فهي طاقة مستمدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد أي لا تنفد، وتختلف جوهريا عن الوقود الأحفوري من بترول وفحم وغاز طبيعي، أو الوقود النووي الّذي يستخدم في المفاعلات النووية. ومن ناحية التداعيات السلبية لعمليات الانتاج، فلا تنشأ عن الطّاقة المتجددة عادةً مخلّفات مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) أو غازات ضارة أو تعمل على زيادة الاحتباس الحراري كما يحدث عند احتراق الوقود الأحفوري أو المخلفات الذرية الضارة التي تنتج عن المفاعلات النووية. فوائد متعددة توصلت دراسة جامعتي ستانفورد وكاليفورنيا إلى أن التحول إلى أنظمة الطاقة المتجددة ستكون له فوائد كثيرة، منها: * تقليل الوفيات إلى معدلات تتراوح بين 4-7 ملايين حالة وفاة ومئات الملايين من المصابين بالأمراض كل عام بسبب تلوث الهواء. * الحد من انبعاثات غازات الدفيئة إلى ما يقرب من الصفر، مما يسمح بتجنب العديد من الآثار المناخية الخطيرة المرتبطة بالاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري. * خلق أكثر من 24 مليون وظيفة دائمة بدوام كامل، بما في ذلك استبدال جميع الوظائف التي فقدت في صناعة الوقود الأحفوري. * تثبيت أسعار الطاقة العالمية مع خفض تكاليف الطاقة للمستهلكين. * تحسين إمكانية وصول الطاقة إلى 4 بلايين نسمة، سيتعرضون لولا ذلك لفقر في الطاقة. * الحد من مخاطر الإرهاب والآثار الكارثية المرتبطة بمحطات الطاقة الكبيرة والمركزية. أهداف طموحة من أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة انخفاض كبير في الطلب على الطاقة بنسبة 42.5٪ بحلول عام 2050. ويأتي أكثر من نصف هذا التخفيض (23٪) من التخلص من الاحتراق، وهو طريقة غير فعالة بشكل كبير لخلق الطاقة، وفي الطاقة المتجددة تولد الألواح الشمسية وتوربينات الرياح الإلكترونات التي يمكن أن تغذى مباشرة بالشبكة. وتشير الدراسة إلى نسبة طموحة جدا تصل الى 80٪ من استخدام أنظمة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ونسبة 100٪ بحلول عام 2050، وذلك هدف طموح تم تضمينه اتفاق المناخ في باريس لتفادي الآثار الخطيرة لتغير المناخ. علاوة على ذلك، فإن من شأنه الحد من حالات الوفيات السنوية المرتبطة بالاستخدام المستمر للوقود الأحفوري الملوث مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي. ويشمل سيناريو توليد الطاقة المتجددة بنسبة 100٪، من خلال توربينات الرياح البرية والبحرية، والكهروضوئية الشمسية على أسطح المنازل وفي محطات توليد الطاقة، والطاقة الشمسية المركزة، والطاقة الجيوثيثرية، والطاقة المدية والموجات، والسدود الكهرومائية القائمة، كما أنها تتطلب قدرات أكبر لتخزين الكهرباء، والهيدروجين. إنتاج ووفرة تلك الرؤية المستقبلية تعززها جهود علمية أخرى من خلال أنشطة بعض المؤسسات المتخصصة في أنظمة الطاقة المتجددة أو البديلة، حيث بادرت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في المملكة العربية السعودية بتقييمٍ شاملٍ لمصادر الطاقة البديلة لضمان الحصول على الفائدة القصوى من استخدامها. وتوصَّلت إلى أن الهيدروكربونات ستظل عنصرا رئيسا في مزيج الطاقة المستهدف لعام 2032، تدعمها الطاقة الذرية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة المحولة من النفايات، وذلك على أساس ما يلي: الهيدروكربونات 60 جيجاواط والطاقة الذرية 17.6 جيجاواط والطاقة الشمسية 41 جيجاواط، حيث تتولَّد 16 جيجاواط منها من خلال استخدام الخلايا الكهروضوئية وما يعادل 25 جيجاواط بالطاقة الشمسية المركَّزة، و1 جيجاواط من الطاقة الحرارية الأرضية 9 جيجاواط من طاقة الرياح و3 جيجاواط من الطاقة المحوَّلة من النفايات. استخلصت المدينة من خلال تقييمها وفقا لهذا التصور أن الطاقة الذرية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة المحوَّلة من النفايات سوف توفر في فترة الليل خلال فصل الشتاء الحمل الأساسي للطلب؛ وستلبي الطاقة الكهروضوئية إجمالي الطلب خلال فترة النهار، وذلك على مدار العام، كما ستلبي الطاقة الشمسية المركَّزة، مع التخزين، أقصى فارق في الطلب بين الطاقة الكهروضوئية وتقنيات الحمل الأساسي وستلبي الهيدروكربونات ما تبقى من الطلب. انتشار عالمي أثبت عدد من الدراسات الجدوى الفائقة للطاقة المتجددة وضرورة تطويرها وتكامل مصادرها، وأبرز ما صدر في هذا الشأن تقرير لشركة بلومبرغ المعلوماتية في العام 2015، بعنوان: «ألمانيا تثبت أن الحياة مع معدل أقل من الوقود الأحفوري، كالنفط والغاز، أصبحت أسهل»، وتم تناول ألمانيا في التقرير كنموذج بوصفها أحد أقوى اقتصاديات العالم، والأكبر في الاتحاد الأوروبي، تعتمد كثيرا على الكهرباء المتجددة، حيث توفر الطاقة المتجددة حاليا 28% من إجمالي شبكة الكهرباء فيها، فيما تصل إلى 40% في بعض المناطق. وقد انتشرت في السنوات الأخيرة منظومة الطاقة المتجددة في العديد من دول العالم، خاصة إذا ما نظرنا الى مصادرها الطبيعية المتوافرة وقلة تكلفة تشغيلها وتأثيراتها القليلة على البيئة، وقدرت وكالة الطاقة الدولية الرقم المطلوب للاستثمار في الطاقة النظيفة على مدى السنوات المقبلة بنحو 16.5 تريليون دولار. وبحسب الوكالة وافقت الحكومات على توفير 100 مليار دولار على الأقل في مجال التمويل العام والخاص لمشاريع الطاقة النظيفة من العام 2020 حتى العام 2025، كما وافقت على تجاوز هذا المستوى بعد عام 2025، ووفقا لهذه التطورات والخطى المتجهة الى هذا النوع من الطاقة دعا «بلاك روك» وهو أكبر مدير للأصول في العالم، متصيدي الصفقات إلى الاستثمار المكثف في مصادر الطاقة المتجددة، فيما أعلن بنك «جولدمان ساكس» عن مضاعفة تمويل مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات إلى 150 مليار دولار. مكاسب طاقوية أكدت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) أن رفع حصة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة العالمي إلى 36% بحلول العام 2030 سيساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من 1.1% بما يعادل 1.3 تريليون دولار تقريبا، ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات تشيلي وجنوب أفريقيا وسويسرا مجتمعة. وأوضحت الوكالة في تقرير لها بعنوان: «فوائد الطاقة المتجددة: قياس الجوانب الاقتصادية»، أن تحقيق التطور اللازم في القطاع لن يثمر في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري فحسب، بل سيساهم في إنعاش الاقتصاد وتعزيز رفاه البشرية وتوفير مزيد من فرص العمل عالميا. وأفاد تقرير (آيرينا) بأن إثراء مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق الأهداف والخطط الخليجية، سيقلل من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة 50% في دولة الإمارات العربية المتحدة، و23% في المملكة العربية السعودية، و21% في دولة الكويت؛ كما سيقلل البصمة الكربونية للفرد في المنطقة بنسبة 8%. طاقة الخليج المتجددة أكدت الوكالة أن التحول للاستثمار في الطاقة المتجددة يقود إلى تراجع استهلاك المياه في قطاع الطاقة الخليجي بنسبة 16% على اعتبار أن المصادر المتجددة -وخصوصا أنظمة الطاقة الكهروضوئية الشمسية- قد تكون أقل استهلاكا للمياه من تقنيات الوقود الأحفوري. وتستهدف الإمارات، التي تعتبر أكبر مستثمر للطاقة المتجددة على مستوى الشرق الأوسط توليد 10% من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، ذلك من خلال تعزيز قطاع الطاقة الشمسية من خلال مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بارك للطاقة الشمسية، أكبر مشروع للطاقة الشمسية، في موقع واحد، في العالم بطاقة توليد ستصل إلى 5 جيجاواط بحلول العام 2030. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن مؤسسة «فروست أند سوليفان» للاستشارات، تتوقع أن تضخ أكثر من 100 مليار دولار في قطاع الطاقة المتجددة، لتلبية الطلب المرتفع على الطاقة وتنويع هذا القطاع. وأوضحت المؤسسة أن الطلب على الطاقة في المملكة يُتوقع أن ينمو بنسبة 45% خلال 25 عاما، إلى 100 جيجاواط في العام 2040، ما يعادل حجم الطلب على الطاقة في بقية دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. وأشار تقرير «فروست أند سوليفان» الى أن المملكة تخطط لإنفاق 109 مليارات دولار لإنتاج 54 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2040، وستمثل مشاريع السعودية وحدها في العام 2020 نحو 70% من القيمة الإجمالية لمشاريع الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي. توسع الاستثمارات مع هذا النمو والتوجه المتصاعد في أنظمة الطاقة المتجددة عالميا، فقد سجلت عمليات الاستثمار فيها خلال العام الماضي 2016 أرقاماً قياسية في إضافاتها حيث بلغت 161 جيجاواط، مما رفع إجمالي الطاقة العالمي بنسبة 9٪ تقريبا مقارنة بالعام 2015، ليصل إلى حوالى 2017 جيجاواط، وتمثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية حوالى 47٪ من القدرة المضافة، تليها طاقة الرياح بنسبة 34٪ والطاقة الكهرومائية بنسبة 15.5٪. ذلك جعل مصادر الطاقة المتجددة الخيار الأقل تكلفة، كما شهدت الصفقات الأخيرة في كل من الدانمارك ومصر والهند والمكسيك وبيرو والإمارات العربية المتحدة بيع الكهرباء المتجددة بسعر 0.05 دولار للكيلو واط/ساعة أو أقل، أي أدنى بكثير من التكاليف المكافئة للوقود الأحفوري والقدرة على توليد الطاقة النووية في كل من هذه البلدان. الشمس والرياح توفر طاقة هائلة ونظيفة (اليوم) مميزات الطاقة المتجددة ■ متوافرة في معظم دول العالم. ■ لا تلوث البيئة، وتحافظ على الصحة العامة للكائنات الحية. ■ اقتصادية في كثير من الاستخدامات. ■ ضمان استمرار توافرها وتواجدها. ■ تستخدم تقنيات غير معقدة.